خطورة القنوط واليأس

الواجب على المسلم أن يخاف من ذنوبه، فيورثه ذلك عدم الأمن من مكر الله تعالى، وأن يكون مع خوفه راجيًا فضل الله تعالى محسنًا الظن به، حتى لا يقع في خطر القنوط واليأس من رحمة الله تعالى، فعندما يتذكّر المسلم ذنوبه وتقصيره في جنب الله؛ فإنّه ينفي عنه داء العجب المُهلك الذي يُعدُّ من أخطر أمراض القلوب، وعلى المسلم عند خوفه وقنوطه ويأسه أن يستحضر صفات الله تعالى بأنّه يقبل توبة التائبين، ويقبل استغفار المستغفرين، ويقبل ويستجيب لدعاء الداعين، يقول تعالى عن نبيّه يعقوب -عليه السلام-: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}،[١] قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله تعالى- في كتابه الوابل الصيب: "فإنَّ العارفين كلهم مجمعون على أنَّ التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك، فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده".[٢]


لماذا تتأخر إجابة الدعاء؟

قد تتأخر إجابة الدعاء لحكمٍ أرادها الله -سبحانه وتعالى-، فعلى المسلم ألا يستعجل في إجابة الدعاء حتى لا يقع بالقنوط واليأس، فإذا حصل تأخير الإجابة فلا يلزم أن يكون ذلك بسبب ذنبٍ، بل قد يكون لأمر آخر اقتضته حكمةُ العليم الحكيم سبحانه، حيث يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ ، فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا، وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا، ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي)،[٣] فعلى المسلم أن يستمرّ بالدعاء ولا ينقطع من الدعاء والرجاء، والواجب على المسلم ألا يهتمّ إلى أيّ خطراتٍ وهواجس من الشيطان حتى لا يسوء ظنّه بربّه -تبارك وتعالى- فيترك الدعاء، فالشيطان قاعد مترصّدٌ للخلق على أبواب الطاعة والخير يثبّطٌهم ويخذّلهم عنها، قال الله -سبحانه وتعالى- حكاية عن إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}.[٤][٥]


الأمور الواجب مراعاتها لإجابة الدعاء

يجب على العبد أن يُرَاعِيَ في دعائه بعض الأمور المهمّة لإجابة الدعاء، منها ما يأتي:[٦]

  • أن يخلص المسلم لله في الدعاء، قال الله تعالى مبينًا وجوب إخلاص العبادة له: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}،[٧] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ هو العِبادةُ).[٨]
  • ألاَّ يستعجل المسلم استجابة دعائه، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- أعلم بمصالح عباده، وقد يؤخر إجابة الدعاء لحكمٍ أرادها هو -سبحانه وتعالى-، يقول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلّم-: (ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ، فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا، وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا، ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي).[٣]
  • ألا يدعو المسلم بإثمٍ أو قطيعة رحم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ).[٩]
  • أن يكون المسلم حاضر القلب حال الدعاء، مُقْبِلاً على ربه عند مناجاته في خشوع وإخبات وخضوع، موقنًا بالإجابة.
  • أن يلزم المسلم تقوى الله تعالى بفعل الطاعات واجتناب الذنوب والمعاصي، قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.[١٠]
  • أن يعلم المسلم أنَّ من أعظم موانع استجابة الدعاء أكل الحرام، ففي الحديث عن الرسول قال -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ)،[١١] ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا، إنِّي بما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[١٢] وقالَ: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ}[١٣]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟).[١٤]


المراجع

  1. سورة يوسف، آية:87
  2. "نجاة العبد من القنوط واليأس"، إسلام ويب، 14/4/2010، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هر يرة، الصفحة أو الرقم:3604، حديث صحيح دون قوله وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا.
  4. سورة الأعراف، آية:16
  5. "أسباب تأخر إجابة الدعاء"، إسلام ويب، 12/6/2015، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  6. "موانع إجابة الدعاء"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  7. سورة البينة، آية:5
  8. رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن النعمان بن بشير والبراء بن عازب ، الصفحة أو الرقم:3407، حديث صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2735، حديث صحيح.
  10. سورة الرعد، آية:11
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2083، حديث صحيح.
  12. سورة المؤمنون، آية:51
  13. سورة البقرة، آية:172
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1015، حديث صحيح.