التضرع ومشروعيته
معنى التضرع لغةً: هو طلب البذل والاستكانة والخضوع، والتضرع شرعاً: هو الدعاء وسؤال الله والطلب منه بكل ذل وخشوع، مع إظهار الفقر والمسكنة أثناء الدعاء، يقول المناويّ: "الضّراعة: الخضوع والتّذلّل"، وهذه حالة يحبها الله ويرضاها، بل إنه أمر تعالى عباده بالتضرع، وهو من أعظم الأسباب لدفع البلاء،[١] قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}،[٢] وقال ابن عثيمين رحمه الله: "والتضرع بمعنى اللجوء والإنابة إلى الله تعالى، والقيام بما يجب له من عقيدة أو قول أو عملٍ"،[٣] وقد شرع الله التضرع إليه سبحانه في الدعاء، وجعله سببًا في اتقاء سخطه وعذابه، ومعيناً على الاستغفار، والتوبة، والإنابة، وما كان أخذه سبحانه للناس بالبأساء كالحروب، والفتن، والقحط، والجدب، وكل ما في ظاهره الضرر لهم، إلا غاية لكي يتضرعوا إليه، ويقبلوا عليه، فغالب الناس لا يعرفون الله سبحانه في الرخاء ولا يقبلون عليه، فيبتليهم الله برحمته ولطفه ليقبلوا عليه في شدتهم، وليس هناك أقسى ولا أعظم غفلة ممن لا يتضرعون إلى الله لا في رخائهم ولا شدتهم، فهؤلاء هم المعتدون.[٤]
كيف نتضرع إلى الله بالدعاء؟
إنَّ كثيرًا من المسلمين يغفلون عن هذه الوسيلة العظيمة في رفع البلاءات، والنصر على أعدائهم، ويغفلون عن حقيقة الابتلاء فإنَّما هي منحة من الله وعطاء، فهو يبتليهم سبحانه ليسمع تضرعهم، فهو يحب الإلحاح في الدعاء، ويحب سماع أنين المتضرعين إليه في السرّاء وفي الضرّاء، يقول ابن القيم رحمه الله عن التضرع في الدعاء: "فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلّد عليه، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلّله له، وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه، وقلّة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلّد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم".
وهذا نهج الأنبياء والمرسلين في التضرع عليهم السلام، فقد كان التجاؤهم لله سبحانه سمة بارزة في سيرتهم حين كان ينزل البلاء بهم، ويشتد الكرب عليهم، فكان نوح عليه السلام يناجي ربه بأن ينجيه من الكرب العظيم هو وأهله، وكان إبراهيم عليه السلام يلتجأ لله وحده في أن يجعل أفئدة الناس تهوي إلى مكة حيث ترك زوجته وولده، وكان أيوب عليه السلام يفتقر إلى الله بأن يكشف عنه ما نزل به من الضر، وكان يونس عليه السلام يدعو في ظلمة بطن الحوت في قاع البحر بأن ينجيه الله من الغم، وكان يعقوب عليه السلام يشتكي لله وحده مما ألمّ به من الهمّ، وكذلك كانت سيرة رسولنا المصطفى عليه -الصلاة والسلام- في كل أحوال الكرب، ومن بعده السلف الصالح من أمته، فهكذا يكون التضرع بالدعاء، والمناجاة، والالتجاء، والافتقار، والشكوى له سبحانه، مع التذلل والاستكانة والانكسار.[٥]
فضائل التضرع في الدعاء
- النجاة من الكرب، ورفع البلاء النازل،[٦] قال تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ}.[٧]
- النجاة من عذاب الله، قال تعالى: {وَلَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذناهُم بِالبَأساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعونَ}،[٨] يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في شرح هذه الآية: {بِالبَأساءِ}: وهي شدة الفقر والضيق في المعيشة، {والضَّرَّاءِ}: وهي الأسقام والعلل العارضة في الأجسام، وقوله {لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعونَ}: يقول: فعلنا ذلك بهم ليتضرعوا إليَّ، ويُخلصوا لي العبادة، ويفردوا رغبتهم إليَّ دون غيري، بالتذلل منهم لي بالطاعة، والاستكانة منهم إليَّ بالإنابة".[٣]
- إعلان الافتقار لله سبحانه وتعالى،[٦] والاستجابة له، فالتضرع إقرار بالعجز والحاجة، وطلب منه لسدّ هذا الفقر والعجز، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.[٩]
- نيل رضا الله وبلوغ جنته،[٦] تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.[١٠]
- البراءة من قسوة القلب، قال تعالى: {فَلَولا إِذ جاءَهُم بَأسُنا تَضَرَّعوا وَلـكِن قَسَت قُلوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ ما كانوا يَعمَلون}،[١١] يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير الآية: "أقاموا على تكذيبهم رسلهم، وأصرّوا على ذلك، واستكبروا عن أمر ربهم، استهانة بعقاب الله، واستخفافًا بعذابه، وقساوة قلب منهم"، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيرها: "قوله تعالى: {فَلَولاإِذ جاءَهُم بَأسُنا تَضَرَّعوا}، وهذا عتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب، ويجوز أن يكونوا تضرعوا تضرُّع مَن لم يُخلص".[٣]
- تحصيل محبة الله تعالى، والقرب منه، فإن قلب الخاشع المتضرع هو أحب القلوب إلى الله سبحانه، قال ابن رجب الحنبلي: "فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له، كما يتقرب ممن يناجيه في الصلاة، وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود، ومن شروط التضرع الانكسار والتذلل والخشوع لله".[٦]
- أقصر الطرق لاستجابة الدعاء هو التضرع، لأن المتضرع يجمع أسباب الاستجابة للدعاء، يقول ابن القيم: "فإن الخاشع الذليل الضارع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه وذلت جوارحه وخشع صوته حتى أنه ليكاد تبلغ به ذلته ومسكنته وكسره وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوله بالنطق فقلبه سائل طالب مبتهل ولسانه لشدة ذله وضراعته ومسكنته ساكت".[٦]
المراجع
- ↑ فريق موقع اسلام ويب (23/8/2020)، "التضرع إلى الله تعالى"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:55
- ^ أ ب ت فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (8/6/2020)، "التضرع إلى الله عند نزول الشدة والبأساء"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.
- ↑ الشيخ سفر الحوالي، "التضرع إلى الله"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.
- ↑ د. عامر الهوشان (24/4/2016)، "التضرع في زمن البأس "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج فريق ملتقى الخطباء (28/6/2020)، "حقيقة التضرع إلى الله"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 12/4/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:63-64
- ↑ سورة الأنعام، آية:42
- ↑ سورة فاطر، آية:15
- ↑ سورة هود، آية:23
- ↑ سورة الأنعام، آية:43