حسن الظن بالله في الدعاء

إنّ عبادة حسن الظن بالله -سبحانه وتعالى- من أفضل الأعمال التي يحبها الله تعالى، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي)،[١] وحسن الظنّ بالله تعالى في إجابة الدعاء مما يقوي إجابته ويرجى قبوله، فإذا وجد في الدعاء قوة الرجاء وحسن الظنّ بالله وقوة اليقين والإلحاح على الله -تبارك وتعالى- فإنّ هذا الدعاء لا يردّ بإذن الله تعالى، على معرفة بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا وما له من صفات الجمال والجلال، وأنّه لا يعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو القادر -سبحانه وتعالى- على كل شيئ، كما قال: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،[٢] وحسن الظنّ الذي يحبّه الله تعالى؛ هو المصاحب للعمل، فالمؤمن يجمع بين حسن ظنّه بربّه وبين حسن العمل،[٣] وفي الآتي ذكرٌ لبعض وسائل استجلاب حسن الظن بالله في إجابة الدعاء، وبيانٌ لأهمّ الآثار المترتبة على سلوك العبد:


وسائل استجلاب حسن الظن بالله في إجابة الدعاء

من أهمّ الأسباب المعينة على استجلاب حسن الظن بالله -سبحانه وتعالى- المعرفة بأسماء الله الحسنى وما له من صفات الجمال والجلال، مع كثرة المطالعة على نعمه وعظيم قدرته في أقطار السموات والأرض، وتدبّر القرآن والإكثار من تلاوته، ولزوم التضرّع بين يدي الله تعالى، وقراءة كتب وأحاديث الترغيب والترهيب، فيجب على المؤمن أن يغلب عليه في حال الخوف أو المرض أو الموت حسن الظنّ بالله -سبحانه وتعالى-، ففي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا يموتَنَّ أحَدُكم إلَّا وهو يُحسِنُ باللهِ الظَّنَّ).[٤][٥]


آثار حسن الظن بالله في العبادة والدعاء

من أهمّ الآثار التي ترجع على العبد بالخير والنّفع في الدارين بسبب حسن الظنّ بالله تعالى ما يأتي:[٦]

  • إخلاص الدعاء لله -سبحانه وتعالى- فمن أحسن الظنّ بالله تعالى أخلص له العبادة والدعاء؛ لأنّ حسن الظنّ قرين لحسن العمل قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}،[٧] وفي الحديث يقول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: (ادعوا اللَّهَ وأنتُم موقِنونَ بالإجابَةِ، واعلَموا أنَّ اللَّهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ).[٨]
  • التوكل على الله تعالى من أعظم آثار حسن الظن بالله تعالى؛ لأنّ حسن الظنّ الصادق بالله يورّث حسن التوكل على الله -تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.[٩]
  • التوبة والإنابة إلى الله تعالى؛ لقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[١٠] فعندما يحسن المسلم الظنّ بربّه -تبارك وتعالى- وأنّه يقبل التوبة، وأنّه أيضًا يفرح بتوبة عبده، كما قال النبيّ الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ، مِن رَجُلٍ في أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، معهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حتَّى أَدْرَكَهُ العَطَشُ، ثُمَّ قالَ: أَرْجِعُ إلى مَكَانِيَ الذي كُنْتُ فِيهِ، فأنَامُ حتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ علَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ العَبْدِ المُؤْمِنِ مِن هذا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ)،[١١]
  • الانقياد والإذعان والاستسلام لأحكام الله -سبحانه وتعالى-؛ فحسن الظن بالله تعالى يورّث العبد الانقياد والإذعان والاستسلام لأحكام الله تعالى جملةً وتفصيلًا وذلك؛ أنّ المسلم عندما يعتقد أنَّ شرع الله تعالى كاملٌ بالتحليل والتحريم وأنّ الله تعالى ما شرع أمرًا ولا قدّر حكمًا إلا وفيه المصلحةُ للعباد في العاجل والآجل، ومن حسن الظن بالله تعالى في شرعه ما يترتّب على المسلم من اعتقاد تام أنّ الله تعالى غنّي العبادة ويوضّح هذا المعنى قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في ما يرويه عن ربّه -تبارك وتعالى-:(يا عبادي إنَّكُمْ لن تبلغوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي ولن تبلغوا نفعِي فتنفعونِي، يا عبادي لو أنَّ أوَّلََكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ كانوا على أتقى قلبِ رجُلٍ واحدٍ منكُمْ ما زادَ ذلك في مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ كانوا على أفْجَرِ قلبِ رجُلٍ واحدٍ منكُمْ ما نقصَ ذلك من مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَّكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ اجْتمعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألونِي فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألتَهُ ما نقصَ ذلك مِمَّا عندي إلا كما يَنْقُصُ البحرُ إذا غُمِسَ فيهِ المخيطُ غَمْسةً واحدةً، يا عبادي إنَّما هي أعمالُكُم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).[١٢]


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7505، صحيح.
  2. سورة الملك، آية:1
  3. "حسن الظن بالله تعالى"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
  4. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:14532، حديث صحيح .
  5. "وسائل استجلاب حسن الظن بالله"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
  6. "حسن الظن بالله سبحانه وأثره في حياة المسلمين"، الدكتور محمد حاج عيسى الجزائري، اطّلع عليه بتاريخ 7/4/2021. بتصرّف.
  7. سورة غافر، آية:60
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3479، حديث حسن.
  9. سورة المائدة، آية:23
  10. سورة الزمر، آية:53
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2744، حديث صحيح.
  12. رواه ابن تيمية، في مجموع الفتاوى، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:261، حديث صحيح.