الدعاء عبادةٌ من العبادات القولية التي يُظهر فيها العبد الخضوع والعبودية لله -سبحانه-، رغبةً منه في قضاء الحوائج ودفع المضار والشرور، ويُستحسن من المسلم لاستجابة دعائه اختيار الأوقات والأحوال التي يكون فيها الدعاء أحرى بالإجابة؛ كالدعاء يوم عرفة، ويوم الجمعة، وآخر الليل، وعند إقامة الصلاة وبعد أدائها، وفي السجود، مع الحرص على استقبال القبلة عند الدعاء، ورفع اليدين، وخفض الصوت.[١]


شروط الدعاء

تُشترط في الدعاء عدّة أمورٍ لا بدّ من تحقّقها فيه، وهي:[٢]

  • اللجوء إلى الله وحده: فلا بدّ من اليقين بأنّ الله وحده القادر على استجابة الدعاء باللجوء إليه بخشوعٍ وذلٍّ وخضوعٍ، قال -تعالى-: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"،[٣] وذلك يتضمّن اللجوء إلى الله وحده في الدعاء وعدم الإشراك به شيئاً ودعاء الله وحده.
  • التوسّل إلى الله بالأمور المشروعة: أي بالدعاء باسمٍ من أسماء الله -تعالى-، أو بالأعمال الصالحة التي يؤديها الداعي، أو بدعاء رجلٍ صالحٍ آخرٍ.
  • حُسن الظنّ بالله: فيدعو العبد ربّه وهو يعتقد يقيناً باستجابة الله لدعائه، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي".[٤]
  • عدم استعجال الإجابة: فعلى الداعي أن يدعو الله ولا يستعجل الإجابة، فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، فيَقولُ: قدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي".[٥]
  • الرزق الحلال: فالحرص على الطيّب الحلال من الطعام والشراب واللباس وغير ذلك من أعظم شروط استجابة الدعاء، قال -تعالى-: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ".[٦]


أوقات استجابة الدعاء

يكون الدعاء أحرى بالاستجابة في أوقاتٍ محددةٍ بيانها آتياً:[٧]

  • ليلة القدر: إذ إنّها ليلةٌ مباركةٌ، قال -تعالى-: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ".[٨]
  • يوم عرفة: إذ إنّه من أفضل أيام السنة، ويوم استجابة الدعاء ومغفرة الذنوب، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ".[٩]
  • ساعة يوم الجمعة: وإمّا أن تكون بين الأذان لصلاة الجمعة وانقضاء الصلاة، أو بعد العصر، فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً، لا يُوافِقُها مُسْلِمٌ، قائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ".[١٠]
  • بعد أداء الصلوات: فقد ورد عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-: "قِيلَ يا رسولَ اللهِ : أيُّ الدعاءِ أسمَعُ قال جَوفَ الليلِ الآخِرِ ودُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ".[١١]
  • وسط وآخر الليل: قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "يَتَنَزَّلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له".[١٢]
  • في السجود: إذ إنّ العبد يكون أقرب من ربّه حال السجود، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ".[١٣]
  • بعد الوضوء: إذ إنّ الدعاء بعد طاعةٍ وطهارة أقرب للإجابة، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "من توضأ فأحسن الوضوءَ ثم قال: أشهد أن لا إله َ الا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين، فُتحت له ثمانيةُ أبوابِ الجنةِ، يدخل من أيّها شاءَ".[١٤]
  • حال الصيام والسفر: قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ: دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ، ودعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المسافِرِ".[١٥]
  • بين الأذان والإقامة: إذ إنّ دعاء العبد وقت انتظار الطاعة استدلالاً بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "الدعاءُ لا يُردُّ بين الأذانِ والإقامةِ".[١٦]
  • عند الأذان والمطر: فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "ثِنتانِ ما تُرَدّانِ: الدُّعاءُ عند النِّداءِ، وتحْتَ المَطَرِ".[١٧]


آداب الدعاء

يُستحسن بالمسلم الإتيان بآداب الدعاء ليكون أجدر بالإجابة، بيان تلك الآداب آتياً:[١٨]

  • بدء الدعاء بحمد الله -تعالى- والصلاة على النبيّ محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "إذا صلَّى أحدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ والثَّناءِ عليهِ ثُمَّ لَيُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثُمَّ لَيَدْعُ بَعْدُ بِما شاءَ".[١٩]
  • المداومة على الدعاء في الأحوال كلّها من رخاءٍ وشدةٍ وهمٍّ وفرجٍ، فالجدير بالمسلم اللجوء إلى الله -سبحانه- دائماً قبل الاضطرار، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "من سره أن يستجيبَ اللهُ له عندَ الشَّدائدِ و الكُرَبِ، فلْيُكثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاءِ".[٢٠]
  • عدم الدعاء على الأهل أو المال أو الولد أو النفس، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ".[٢١]
  • خفض الصوت في الدعاء، قال -تعالى-: "ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ".[٢٢]
  • الإلحاح على الله بالدعاء، بتكرار الدعاء والمداومة والمواظبة عليه.
  • الاعتراف بنعمة الله فيي الدعاء، والإقرار بالذنوب أيضاً.
  • استقبال القبلة حال الدعاء، فقد أخرج الإمام البخاري عن عبدالله بن زيد: "خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى هذا المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا واسْتَسْقَى، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وقَلَبَ رِدَاءَهُ".[٢٣]
  • رفع اليدين عند الدعاء، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ ربَّكم تبارَكَ وتعالى حيِيٌّ كريمٌ، يستحيي من عبدِهِ إذا رفعَ يديهِ إليهِ، أن يردَّهُما صِفرًا".[٢٤]
  • الوضوء قبل الدعاء.
  • البكاء أثناء الدعاء خشيةً ورهبةً من الله -سبحانه-.
  • إظهار الفقر والحاجة إلى الله -سبحانه-، بالإضافة إلى الشكوى إليه.
  • التوبة إلى الله -تعالى-، وردّ الحقوق إلى أصحابها.


محظورات وموانع استجابة الدعاء

توجد بعض الأمور التي تحول دون استجابة الدعاء، يُذكر منها:[٢٥]

  • ارتكاب المحرّمات والمعاصي.
  • ترك الواجبات والأوامر المطلوب من العبد المسلم.
  • اشتمال الدعاء على إثمٍ أو قطيعة رحمٍ.

المراجع

  1. أ. د. مصطفى مسلم (25/5/2015)، "الدعاء: أهميته وآدابه وآثاره"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020. بتصرّف.
  2. أزهري أحمد محمود، طريقك إلى الدعاء المستجاب، صفحة 10-12.
  3. سورة النمل، آية:62
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2675، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2735، صحيح.
  6. سورة المائدة، آية:27
  7. أزهري أحمد محمود، إذا أردت أن يكون دعاؤك مستجاباً، صفحة 18-21.
  8. سورة القدر، آية:3
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم:3585، حسن.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:852، صحيح.
  11. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:3499، حسن.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6321، صحيح.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:482، صحيح.
  14. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:55، صحيح.
  15. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3032، حسن.
  16. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:212، حسن صحيح.
  17. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:3078، حسن.
  18. سعيد بن وهف القحطاني، شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 34-51.
  19. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن فضالة بن عبيد، الصفحة أو الرقم:3477، حسن صحيح.
  20. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6290، حسن.
  21. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:3009، صحيح.
  22. سورة الأعراف، آية:55
  23. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن زيد، الصفحة أو الرقم:6343، صحيح.
  24. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن سلمان الفارسي، الصفحة أو الرقم:1488، صحيح.
  25. سعيد بن وهف القحطاني، شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 32-33.