الإلحاح من أسباب إجابة لدعاء

على العبد المسلم إذا دعا أن يكون عبداً ملحاحاً على ربه سبحانه وتعالى، ويكون الإلحاح بتكرير ذكر ربوبيته سبحانه، فإنَّه من أعظم ما يطلب به العبد إجابة دعائه، وهو دليل صدق الرغبة، فمن أكثر قرع الباب يوشك أن يُفتح له، وهذا مما يحبه الله تعالى في الدعاء،[١] قال تعالى في الحديث القدسي: (يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ)،[٢] وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي: "إنّ اللهَ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ "، وقال أيضا في حادي الأرواح: "وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا، وهو يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه ".[٣]


كيف ألح على الله في الدعاء؟

  • بالإكثار من الدعاء بالخير: لعظيم فائدته ورجاء إجابته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مُسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحمٍ، إلَّا أعطاهُ اللَّهُ بِها إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن تعجَّلَ به دعوتُهُ، وإمَّا أن يدَّخرَها لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يَصرِفَ عنهُ منَ السُّوءِ مثلَها قالوا: إذًا نُكْثرُ، قالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ)،[٤] يقول القاري رحمه الله في معنى الإكثار: "(إذًا نُكْثِرُ) أَيْ: مِنَ الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ فَوَائِدُهُ "، ويقول ابن علان رحمه الله في دليل الفالحين: "(إذاً نكثر) أي: إذا كانت الدعوة بما عدا ما ذكر مجابة، نكثر من سؤال خيري الدارين لتحصيلهما بالوعد الذي لا يخلف".[٣]
  • بالتنويع في الدعاء: فيدعو بما يخطر بباله من صغيرة وكبيرة، فيسأل المسلم ربه سبحانه من خيري الدنيا والآخرة في كل شيء، ويلح على ربه في سؤاله ويكرره، فإنَّ ذلك من تمام العبادة، وكمال التوكل على الله سبحانه وتعالى، ومن حسن الظن به، والرجاء بما عنده، فإنَّه يخطئ من يظن أنَّه لا ينبغي له أن يسأل الله شيئًا إلا دخول الجنة، بل يسأله في كل شيء من أمور الدنيا وأمور الآخرة مهما صغر أو كبر، فما أراده الله وقع، وما لم يرده لم يتيسر، فكان من أعظم الدعاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}،[٥] فإنَّ هذا الدعاء لم يترك من خيري الدنيا والآخرة شيئًا إلا تضمنه، وذكر أنَّ عَائِشَةَ أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانت تقول: "سلوا اللّهَ كل شيء حتى الشسع، فإنَّ اللَّه عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر"، ومعنى: (حتى الشسع) أي: حتى إصلاح النعل إذا انقطع.[٣]
  • بالعزم في الدعاء: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إذا دَعا أحَدُكُمْ فلا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، ولَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ ولْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَتَعاظَمُهُ شيءٌ أعْطاهُ)،[٦] يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري:"وَمَعْنَى قَوْله: (لِيُعَظِّم الرَّغْبَة) أَيْ يُبَالِغ فِي ذَلِكَ بِتَكْرَارِ الدُّعَاء وَالْإِلْحَاح فِيهِ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الْأَمْر بِطَلَبِ الشَّيْء الْعَظِيم الْكَثِير، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي آخِر هَذِهِ الرِّوَايَة: (فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء)"، وقال أبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنه: "إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ".[٣]
  • بالتَّكرار وعدم الملل والضَّجَر: ويحصلُ ذلك بتَكرار الدُّعاء أكثر من مرة، فيدعو مرَّتَيْن أو ثلاثٍ، والدعاء بثلاث هو الأفضل، وذلك اتِّباعاً لسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم،[٧] وهذا ما رواه ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يعجبُه أنْ يدعوَ ثلاثًا ويستغفرَ ثلاثًا).[٨]
  • بالتذلل لله والصغار عند دعائه والانكسار بين يديه: فهذا مما يحبه الله سبحانه، وبقدر تذلله لله وانكساره بين يديه سبحانه، يكون تحصيل الجبر، وتحصيل المأمول، وطريق ذلك بأن يستحضر العبد جلال ربه وعظمته.[٩]
  • بدوام المجاهدة ومعرفة أنَّ الخير كله بيد الله سبحانه وتعالى: فكل الأمور بين يديه، ومرجعها إليه، فهو سبحانه لا تخفى عليه خافية، ويعلم السر وأخفى، وهو محيط بكل شيء، عليم بكل شيء، وهو على كل شيء قدير.[٩]


فضل الإلحاح بالدعاء

إنَّ من أهم فضائل الإلحاح نيل محبة الله تعالى، وتحصيل المراد، يقول المناوي رحمه الله في فضل الإلحاح بالدعاء: "إنَّ الله تعالى يحب الملحين في الدعاء، أي الملازمين له، جمع ملح وهو الملازم لسؤال ربه في جميع حالاته، اللائذ بباب كرم ربه في فاقته ومهماته، لا تقطعه المحن عن الرجوع إليه، ولا النعم عن الإقبال عليه، لأنَّ دعاء الملح دائم غير منقطع، فهو يسأل ولا يرى إجابة، ثم يسأل، ثم يسأل، فلا يرى وهكذا، فلا يزال يلح، ولا يزال رجاؤه يتزايد، وذلك دلالة على صحة قلبه، وصدق عبوديته، واستقامة وجهته، فقلب الملح معلّق دائمًا بمشيئته، واستعماله اللسان في الدعاء عبادة، وانتظار مشيئته للقضاء به عبادة، فهو بين عبادتين سريتين، ووجهتين فاضلتين، فلذلك أحبه الله تعالى".[٩]


المراجع

  1. أمير بن محمد المدري، "كيف تكون مستجاب الدعوة"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2577، حديث صحيح.
  3. ^ أ ب ت ث فريق موقع الاسلام سؤال وجواب (15/1/2017)، "فضل الدعاء ، وفضل الإكثار منه ، والإلحاح على الله فيه"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  4. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:421، حديث صحيح.
  5. سورة البقرة، آية:201
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2679، حديث صحيح.
  7. خالد عبد المنعم الرفاعي (19/8/2007)، "أدعو الله، ولكن لا يُستجاب لي!! "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  8. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:882 ، حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
  9. ^ أ ب ت فريق موقع اسلام ويب (14/3/2018)، "فضل الإلحاح والتذلل في الدعاء وطريق ذلك"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 15/4/2021. بتصرّف.