اليقين بإجابة الدعاء

اليقين بإجابة الدعاء والثقة باللهِ شَأن المؤمنين الصَّادِقِين مهما اشتدت المواقف، فهم يرفَعُون أَكُفَّهم بالضرَاعَةَ وهم موقِنون بالإجابة، لأنَّ اللهَ لا يعجزه شيءٌ،[١] قال ابن تيمية رحمه الله عن اليقين بإجابة الدعاء: "الدُّعَاءُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِجَابَةَ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي اقْتِضَائِهَا الْإِثَابَةَ، وَكَسَائِرِ الْأَسْبَابِ فِي اقْتِضَائِهَا الْمُسَبَّبَاتِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ عَلَامَةٌ وَدَلَالَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ الْمَسْؤولِ لَيْسَ بِسَبَبٍ، أَوْ هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، لَا أَثَرَ لَهُ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، بَلْ مَا يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ، يَحْصُلُ بِدُونِهِ، فَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَلَّقَ الْإِجَابَةَ بِهِ تَعْلِيقَ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ"، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}،[٢]فعُلّقت الْعَطَايَا بِالدُّعَاءِ كتعليق الجزاء والوعد بالعمل الذي أُمر به، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: "إني لا أحمل همّ الإجابة، وإنّمَا أحمل همّ الدّعاء، فإذا أُلهمت الدّعاء، فإنّ لإِجابة معه".[٣]


كيف أيقن بإجابة الدعاء؟

اليقين بالإجابة يكون بإحسان الظن وتغليبه بأنَّ الله سبحانه وتعالى يتقبل الدعاء، ويحقق المراد، قال تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ)،[٤] يقول القرطبي: "قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكاً بصادق وعده"، وقال أيضا: "ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقنًا بأنَّ الله يقبله، ويغفر له، لأنَّه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظن أنَّ الله لا يقبلها، وأنَّها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر"،[٥]فعلى المسلم أن يكون في حالة تؤهله للإجابة عند دعائه، ومن ذلك:

  • إخلاص النية، قال المناوي: "ادعوا الله أَي اسألوه من فَضله وَأَنْتُم موقنون متحققون جازمون بالإجابة حَال الدُّعَاء بِأَن تَكُونُوا على حَال تستحقون فِيهَا الْإِجَابَة بخلوص النِّيَّة وَحُضُور الْجنان وَفعل الطَّاعَات بالأركان وقوّة الرَّجَاء فِي الرَّحْمَن".[٦]
  • حضور القلب وعدم الغفلة واللهو، قال الإمام الرازي: "أجْمَعوا على أنّ الدّعاء مع غفلة القلب لا أثر له".[٦]
  • قوة الرجاء، قال السيوطي: "ادعُوهُ معتقدين لوقوع الإجابة، لأنَّ الداعي إذا لم يكن متحققًا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقًا، وإذا لم يكن رجاؤه صادقًا لم يكُن الدُعاء خالصًا، والداعي مخلصًا، فإنَّ الرجاء هو الباعث على الطلب، ولا يتحقق الفرع إلاَّ بتحقق الأصل".[٦]
  • اتيان المعروف، واجتناب المنكر، قال جلال الدين السيوطي: "ادْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوْقِنُونَ بِالإجَابِة ـ قال التوربشتي: فيه وجهان: أحدهما أن يقال: كونوا أوان الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة، وذلك بإتيان المعروف، واجتناب المنكر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء، وآدابه، حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد".[٦]
  • طرد خطرات النفس التي تُنافي اليقين في استجابة الدعاء، ودفها وعدم الاسترسال فيها، ومعرفة أنَّ الله تعالى جواد وكريم، مجيب لدعاء المضطرين، وأنه سبحانه يغضب ممَن لَا يدعوه ولا يسأله.[١]
  • فعل الطاعات، وحسن العمل، فمن يحسن عمله ويأخذ بالأسباب ابتغاءً لرضا الله ونيل القبول عنده، سيكون أكثر إحسانا بالظنّ بالله، قال الحسن البصريّ: "لو أحسنوا الظن بالله، لَأحسنوا العمل".[١]


هل اليقين يعني إجابة الدعاء كما هو؟

لا يلزم من إجابة الدعاء أن يتحقق طلب الداعي بعينه، فإنَّ الله سبحانه وتعالى أعلم من الداعي بما فيه مصلحته، فيمنحه من الخير ما يشاء، ويدّخر له منه ما يشاء، فإذا سأل الله بيقين فعليه أن يعلم أن دعاؤه لن يذهب سدى إذا تحققت شروط إجابة الدعاء، وانتفت موانعها،[٦]قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مُسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحمٍ، إلَّا أعطاهُ اللَّهُ بِها إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن تعجَّلَ به دعوتُهُ، وإمَّا أن يدَّخرَها لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يَصرِفَ عنهُ منَ السُّوءِ مثلَها قالوا: إذًا نُكْثرُ، قالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ)،[٧] فإنَّ الدعاء بحد ذاته توفيق وفضل من الله، واستجابة الدعاء فضل آخر منه سبحانه، والمؤمن يعلم أنَّ الله سبحانه فعّال لما يريد، فإمّا أن يُعطي الداعي سؤله، أو أن يَصرف عنه شراً فيكون ذلك أحسن من أن ينال مطلوبه، أو أن يدّخر له دعوته في الآخرة أيضا لأنَّ ذلك هو الخير له، فإنَّ الدعاء ليس كصفقة بيع وشراء، إنَّما هو استسلام العبد لحكمة الخالق، فالمؤمن لا ينقلب على وجهه عندما لا يستجاب دعاؤه فيخسر الرضا والطمأنينة، ويخسر الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}،[٨]فليس الدعاء اختبارًا لله في إجابة الدعاء، إنَّما هو يقين بأنَّ الله يستجيب بحكمته ولطفه، فالله سبحانه لا تنفعه طاعة من مطيع، ولا يضرّه كفر من كافر،[٣] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).[٩]


المراجع

  1. ^ أ ب ت خالد عبد المنعم الرفاعي (6/10/2019)، "هل خطرات النفس تنافي اليقين في إجابة الدعاء؟ "، طريق الاسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 13/4/2021. بتصرّف.
  2. سورة غافر، آية:60
  3. ^ أ ب خالد عبد المنعم الرفاعي (28/11/2019)، "كيف نحقق الرجاء واليقين "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 13/4/2021. بتصرّف.
  4. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6032، حديث حسن.
  5. فريق موقع اسلام ويب (15/7/2001)، "لماذا كان اليقين شرطا لاستجابة الدعاء"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13/4/2021. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج فريق موقع اسلام ويب (26/9/2012)، "الآداب المطلوبة لليقين بإجابة الدعاء"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13/4/2021. بتصرّف.
  7. رواه الوادعي، في الصحيح المسند ، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:421، حديث صحيح.
  8. سورة الحج ، آية:11
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم:2999 ، حديث صحيح.