المشروع من الدعاء بسورة البقرة

لا شكّ أنّ قراءة القرآن الكريم سببٌ للخير والبركة، ودفع الهمّ والقلق، وجلب الطمأنينة والسكينة، وقد حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم على أن يطلب من الله -تعالى- حاجاته النّافعة في الدنيا والآخرة بالقرآن، فقال: (من قرأ القرآنَ، فليسألِ اللهَ به، فإنه سيجيءُ أقوامٌ يقرؤونَ القرآنَ يسألونَ به الناس).[١][٢]


كما أنّ التوسّل إلى الله -تعالى- بالعمل الصالح الخالص لوجه الله -تعالى- أمرٌ مستحبّ، ولا يُنقص هذا من أجر العمل الصالح، ويدلّ عليه قصة الثلاثة الذي حُبِسوا في الغار، فتوسّل كلّ واحدٍ منهم بعمله الصالح المُخلِص حتى فُرِجت عنهم الصخرة، ولكن على المسلم أنْ يتقرّب إلى الله بالعمل الصالح ابتغاء الأجر وثواب الآخرة، فلا يكون فعل الطاعة ابتغاء حاجةٍ دنيوية فقط.[٣]


وبناءً على ما سبق فلا بأس أنْ يدعو المسلم الله -تعالى- بعد قراءته للقرآن، ويتوسّل إليه بهذا العمل الصالح لقضاء حوائجه، على أنْ يكون الهدف من قراءته ابتداءً رِضا الله -تعالى- ونيل ما عنده من الثواب، ومن هنا فلو قرأ سورة البقرة عموماً دون أن يُلزم نفسه بها أو بطريقةٍ وعددٍ معيّن، وتَوَسَّل إلى الله -تعالى- بهذا العمل لتيسير أمره جاز ذلك بناءً على ما سبق.


وقراءة القرآن الكريم لها أثرٌ عظيمٌ في التوفيق والخير وإجابة الدعاء بإذن الله، وكذلك كلّ عملٍ صالحٍ خالص لوجه الله -تعالى-، ويُستنبط ذلك من عموم قول الله -سبحانه- في الحديث القدسي: (... وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).[٤][٥]


وقد سُئل بعض أهل العلم عن حكم الدعاء عقب تلاوة القرآن، فأجاب: "لا نعلم في ذلك حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنّ بعض العلماء ذكر أنّ من أوقات إجابة الدعاء "عقب تلاوة القرآن"، قال ابن مفلح في "الآداب" وهو يُعدّد أوقات الإجابة: وعقب تلاوة القرآن لا سيما عند الختم".[٦]


حكم الدعاء بسورة البقرة بطرق معيّنة

فصّلنا فيما سبق بمشروعية الدّعاء بعد قراءة القرآن عموماً، ومن ذلك إذا قرأ المسلم سورة البقرة دون أن يُلزم نفسه بها بطريقةٍ وعددٍ معيَّنٍ، أمّا قراءة سورة البقرة على وجه التّخصيص لقضاء حاجةٍ معيَّنةٍ فلم يرد فيه دليلٌ شرعي، وإنْ كانت قراءة القرآن عموماً من الأعمال الصالحة التي تُيسِّر الأمور،[٧] لِذلك أفتى بعض أهل العلم بعدم جواز تحديد سورةٍ معيّنة لقضاء حاجةٍ محدّدة بزمنٍ وعددٍ معيّن.[٥]


ولا شكّ أنّ قراءة سورة البقرة بركة وأجر وثواب عظيم عند الله، وثبت فيها العديد من الفضائل التي سيأتي بيانها لاحقاً، ولكنّ تخصيصها لتحصيل زواجٍ أو وظيفةٍ أو ذريَّةٍ أو نحو ذلك لم يثبت فيه دليلٌ شرعي، وكذا غيرها من السور القرآنية الكريمة، وبناءً على ذلك لا يجوز تخصيص قراءة سور معينة وإلزام المرء نفسه بها بعددٍ أو طريقةٍ مُعيَّنة لقضاء حاجة محدّدة.[٨]


ويُشرع للمسلم دعاء الله -تعالى- في كلّ وقتٍ، فله أنْ يتحرّى مواطن الإجابة؛ كالدعاء في السجود، والثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وغيرها من مواطن الإجابة، ويُحسن ظنّه بالله الكريم، ويدعو وهو موقِنٌ بالإجابة، ويتحرّى أسباب القبول من الرزق الحلال وطيب المأكل والمشرب، والإخلاص لله -تعالى-، وعدم اليأس واستبطاء أو تعجّل الإجابة، فكلّ ذلك ممّا يُعين على قضاء الحاجات بإذن الله.


ما ثبت في فضل سورة البقرة

ثبت في فضل سورة البقرة العديد من الفضائل، وأهمّها ما يأتي:[٩]

  • تطرد الشيطان

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ).[١٠]


قال -عليه الصلاة والسلام-: (اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ)، قالَ مُعاوِيَةُ: "بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ".[١١]


  • تُدافع هي وآل عمران عن أصحابهما يوم القيامة

ويدلّ على ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما).[١١]


  • فيها آية الكرسي أعظم آيةٍ في القرآن

إذْ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)،[١٢] قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ).[١٣]


  • فضل أواخر سورة البقرة

قال النبي الكريم عن فضل قراءة آخر آيتين من سورة البقرة: (مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ)،[١٤] وكفتاه يعني تكفيه من الأذى والسّوء، وقيل تكفيه عن قيام الليل.

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:2917، حسنه الألباني.
  2. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 16/4/2023. بتصرّف.
  3. "هل التوسل الى الله بالعمل الصالح لتحقيق أمر دنيوي ينقص أجر هذا العمل؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 16/4/2023. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6502، صحيح.
  5. ^ أ ب "هل يشرع قراءة سورة البقرة أربعين يوما لاستجابة الدعاء؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 16/4/2023. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1108، جزء 10. بتصرّف.
  7. "قراءة سورة البقرة لقضاء الحاجة"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 16/4/2023. بتصرّف.
  8. "حكم قراءة سورة البقرة بنية قضاء مصلحة دنيوية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/4/2023. بتصرّف.
  9. سعيد صخر، فقه قراءة القرآن، صفحة 87-89. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:780، صحيح.
  11. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، صحيح.
  12. سورة البقرة، آية:255
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:810، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5009، صحيح.