الدعاء: فضله وشروطه

الدعاء

الدعاء لغة: يعني الطلب، أي طلب الشيء، ويعني شرعاً: التوجه من العبد إلى الله تعالى وطلب ما يحتاجه من أمور فيها صلاح دينه أودنياه، فهو أمر يحبه الله تعالى من عباده، فقد أمرهم بالتوجه إليه، وطلب حوائجهم، فيما ييسر عليهم دينهم ودنياهم، أو طلب الرزق، أوالمغفرة والتوبة، لمحو آثامهم وأوزارهم، أو طلب العتق من النار، وكل ذلك لعلمهم أنه ما من سبيل للوصول إلى تحقيق حوائجهم ومطالبهم إلا اللجوء إلى الله تعالى، ليجيبهم، ويدبر أمورهم،^[١] وقد أثبت الله تعالى استجابته لمن دعاه في كتابه الكريم،^[٢] قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،^[٣] فإن للدعاء منزلة عالية من الدين فالله تعالى يحب من عباده أن يسألوه، وأن يرغبوا إليه، ويغضب سبحانه على من لا يسأله، ولا يلجأ إليه.^[٤]

فضل الدعاء

يعد الدعاء من أعظم وأجلِّ العبادات التي يحبها الله تعالى، ففيه تتضح سمة العبودية لله، ويستشعر العبد افتقاره، وذلّه، وانكساره لله، ويسعى لتحصيل فضائل الدعاء التي أكرم الله بها عباده؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدُّعاءُ سلاحُ المؤمنِ وعمادُ الدِّينِ ونورُ السَّماواتِ والأرضِ)،^[٥][٦] وفي الآتي سرد لمجموعة من فضائل الدعاء:

• الدعاء في نفسه عبادة،^[٦] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدُّعاءُ هو العبادةُ).^[٧]
• الدعاءُ طاعةٌ وامتثال لأمر الله،^[٦] قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.^[٨]
• أكرم شيء عند الله هو الدعاء،^[٦] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيءٌ أكرمَ على اللهِ تعالى من الدعاءِ).^[٩]
• الدعاء يدفع غضب الله تعالى،^[٦] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن لم يَسألِ اللَّهَ يغضبْ عليْهِ).^[١٠]
• الدعاء دليل سلامة العبد من العجز،^[٦] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعْجزُ الناسِ من عجَز عن الدعاءِ).^[١١] 
• الدعاء باب من أبواب الرحمة والعافية،^[٦] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من فتحَ لهُ منكم بابُ الدُّعاءِ فتحت لهُ أبوابُ الرَّحمةِ وما سُئلَ اللَّهُ شيئًا يعني أحبَّ إليهِ من أن يسألَ العافية).^[١٢]
• الدعاء سبب لدفع البلاء واستجلاب الخير،^[٦] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الدُّعاءَ ينفعُ ممَّا نزلَ وممَّا لم ينزلْ فعليكم عبادَ اللَّهِ بالدُّعاءِ).^[١٣]
• الدعاء سبب في معية الله،^[٦] جاء في الحديث القدسي: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي وأنا معهُ إذا دَعانِي).^[١٤]

شروط الدعاء

لا يجوز في الدعاء التنطُّع، ولا رفع الصوت، فإن الله يعلم السر وأخفى، ولا أن يطلب الداعي من الله تعالى ما لا يجوز له الدعاء به، مثل أن يسأله أن يجعله في منزلة الأنبياء، أو أن يطلب الإعانة على شيء من المحرمات، أو أن يجعله الله من المخلدين إلى يوم القيامة، كما أن هناك شروطاً عامة للدعاء، وفي الآتي بيانها:^[١٥]

• استقبال القبلة، واختيار أحسن وأنبل الألفاظ، وما يجمع المعاني من الألفاظ ويُبيّنها، وأحسن ما يتحصّل فيه ذلك هو ما ورد من الأدعية في القرآن الكريم، ومن الأدعية النبوية الصحيحة، فإنها جامعة لكل الخير من أمور الدنيا والآخرة، وفيها بركة عظيمة.^[١٥]
• رفع اليدين أثناء الدعاء، وبسط الكفين،^[١٥] قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ)،^[١٦] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (دَعَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَاءٍ فَتَوَضَّأَ به، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبِي عَامِرٍ ورَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَومَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِن خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ).^[١٧]
• أن يبدأ الدعاء بحمد الله تبارك وتعالى والثناء عليه، ثم بعدها يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ بعد ذلك بدعائه ومسألته.^[١٥]
• الإخلاص في دعاء الله وحده سبحانه، فإن الله لا يقبل إلا ما هو خالص لوجهه،^[١٥] قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.^[١٨]
• إحسان الظن واليقين بأن الله تعالى سيستجيب الدعاء مهما كان حال الداعي،^[١٥] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ادعوا اللَّهَ وأنتُم موقِنونَ بالإجابَةِ).^[١٩]
• استحضار القلب في الدعاء، وتدبَّر معانيه،^[١٥] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (واعلَموا أنَّ اللَّهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ).^[١٩]
• عدم الاعتداء في الدعاء، والاعتداء هو أن يسأل الله ما يناقض حكمته سبحانه، أو ما هو مخالف لما أخبر به،^[١٥] قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.^[٢٠]
• الدعاء بأسماء الله الحسنى، وتعظيمه وتمجيده بها، فهي أعظم الدلالات على توحيد الله تعالى، وعلى كرمه وجوده، وعلى فضله ورحمته، وهذا مما أمر به سبحانه في الدعاء، ^[١٥] قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.^[٢١]
• التوسَّل إلى الله بالأعمال الصالحة التي كان الله سبباً في التوفيق للقيام بها، فإن الأعمال الصالحة شفيعٌ لصاحبها في الدنيا وفي الآخرة، شريطة أن يكون المسلم قد قام بها مخلصاً لله تعالى وحده، ومثال ذلك قصة أصحاب الصخرة الذين دعو الله أن ينجيهم بأعمالهم الصالحة، فتقبل الله دعائهم لإخلاصهم في أعمالهم، وإخلاصهم في دعائه.^[١٥]
• الإلحاح عليه سبحانه أثناء الدعاء، وتكرار ذكر ربوبيته، فهو من أعظم ما يُرجى به إجابة الدعاء، فالإلحاح دليل على الرغبة الصادقة،^[١٥] يقول ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: "ومن أنفع الأدوية، الإلحاح في الدعاء".^[٢٢]
• العزم في المسألة والجزم في الدعاء،^[١٥] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دَعا أحَدُكُمْ فلا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، ولَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ ولْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَتَعاظَمُهُ شيءٌ أعْطاهُ).^[٢٣]
• أن يبدأ الداعي بالدعاء لنفسه، ثم يدعو لإخوانه من المسلمين، وأن يخُص والديه بالدعاء، ولا ينسى أهل الفضل من الصالحين والعلماء.^[١٥]
• أن لا يدعو بالإثم ولا بقطيعة الرحم، وأن لا يستعجل الإجابة،^[٢] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)،^[٢٤] قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث: "في هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة، لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة".^[٢٢]