الاجتهاد بالدعاء في رمضان

يعد شهر رمضان فرصةً سانحةً للمسلم ليتقرب فيه إلى الله -عز وجلّ- بسائر القربات، من صلاة وذكر وقراءة القرآن، وعلى رأس ذلك الدعاء، فإنَّ مواطن الدعاء ومظنّة إجابته تكون أكثر في هذا الشهرالكريم، فلا عجب أن نرى المسلمين يكثرون من الدعاء فيه، فهم يستشعرون عِظم شأنَ الدعاءِ، وعموم نفعه، وعلوّ مكانتَه في الدين، وأن به تُستجْلِب النعمُ، وتُستدْفِع النِّقَم، فهو يتضمن توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، وهذا هو سر ختم آيات الصيام بأن حث الله عباده على الدعاء في هذا الموضع،[١] قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،[٢] يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "وَفِي ذِكْرِهِ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ، مُتَخَلِّلَةً بَيْنَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ، إِرْشَادٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ إِكْمَالِ العِدّة، بَلْ وعندَ كُلِّ فِطْرٍ"، فيحسن بالداعي أن يكثر من الأدعية المأثورة، وأن يجمل في الطلب، وأن يتأدب بآداب الدعاء، ولا يتعدى في دعائه.[٣]


هل الدعاء في رمضان مستجاب؟

في شهر رمضان المبارك يصل الصائم إلى حالة من الإخبات والاستقامة، وتكتسي جوارحه بالأعمال الصالحة، ويكون الانقياد والاستجابة لله تعالى ولأوامره بقوة ويقين، فيقبل على الدعاء بين يدي الله بكل ذلّ وإلحاح شديدين، فيغدو مسموع الدعوة، وقريب الإجابة،[٤] فشهر رمضان شهر كله رحمة، وكله مغفرة، وكله عتق من النار، ولا يختص جزء منه بشيء من ذلك وحده، وهذا من رحمة الله الواسعة بعباده المسلمين الصائمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(إذا كانَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الرَّحْمَةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ،رواية: إذا دَخَلَ رَمَضانُ، بمِثْلِهِ[٥] وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّ للهِ تعالى عند كلِّ فطرٍ عُتَقاءَ من النارِ ، و ذلك في كلِّ ليلةٍ).[٦]


فإذا كانت كل أيام شهر رمضان في ذلك سواء، فعلى المسلم أن يستثمر مواسم الخير والبركة فيه، ويتعرّض لرحمة الله تعالى، فيكثر من الدعاء بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وسؤال الله تعالى أن يرحمه، وأن يغفر له، ويعتقه من النار، ويدخله الجنة،[٣] قال النووي  رحمه الله: "يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا، له ولمن يحب، وللمسلمين"، فالدعاء مستحب في أي وقت في غير رمضان، فكيف إذا كان في رمضان، مثل الدعاء في وقت السحر، والدعاء بين الأذان والإقامة، والدعاء في السجود، وغيرها من مواطن إجابة الدعاء،[٧] ومن ذلك وقت الصلاة، فأقرب ما يكون العبد من الله تعالى في السجود، وقد حثَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كثرة الدعاء في السجود، فقال -عليه السلام-: (َأقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ)،[٨] وكذلك وقت السحور، فإنَّ الله وملائكته يصلون على العبد وقت سحوره،[٩] فعن ابن عمر رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللهَ و مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على المُتَسَحِّرِينَ)،[١٠] فعلى المسلم أن يتميز بهذه العبادة الجليلة في هذا الشهر الفضيل، وينبغي عليه أن يستثمر أوقاته بالدعاء، وأن ينتقي مواطن الإجابة، مع استحضار قلبه وانكساره بين يدي الله عز وجل، وأن يأخذ بأسباب استجابة الدعاء.[١١]


أحاديث للصائم دعوة لا ترد

وردت عدة أحاديث أفادت هذا المعنى، واستخلص منها أهل العلم أنَّ على المسلم أن يحرص على الدعاء قبل إفطاره، وعند شروعه بالإفطار، ومنهم من قال أنَّ ذلك يشمل ما بعده، أي بعد الشروع في الإفطار، لأنَّ لفظ: "عند" يشمل الحالتين،[١٢] ولكن اختُلف في صحة هذه الأحاديث ومنها:

  • (ثلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حينَ يُفْطِرُ، والإِمامُ العَادِلُ، ودَعْوَةُ المَظْلومِ، يَرْفَعُها فَوْقَ الغَمامِ، وتُفَتَّحُ لها أبوابُ السَّماءِ، ويقولُ الرب: وعزَّتي لَأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حِينٍ)،[١٣] رواه الترمذي في فضل دعاء الصائم وأنَّه مستجاب.[١٢]
  • (إنَّ للصائمِ عند فِطره دعوةً لا تُردُّ)،[١٤] رواه ابن ماجه، في الزوائد وقال: إسناده صحيح.[١٢]
  • (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر)،[١٥] أخرجه البيهقي عن أنس بن مالك، وصححه الألباني.[١٦] 


هل تستجاب دعوة واحدة للصائم؟

لا تزال دعوة الصائم تستجاب من وقت صيامه، حتى يفطر، أما لفظ "دعوة" فإنَّها لا تعني أنَّها دعوة واحدة، ولا تقتضي أنَّها شيء واحد، بل المقصود بها دعاؤه بالعموم، فعليه أن يدعو ويجتهد في دعائه في حال صيامه وعند إفطاره، فيدعو بما يشاء من أمور الدنيا المباحة وفي أمور الآخرة، يقول المناوي: "ومراده كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه".[١٦] 


المراجع

  1. محمد بن إبراهيم الحمد، "رمضان شهر الدعاء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:186
  3. ^ أ ب فريق موقع الاسلام سؤال وجواب (6/8/2014)، "ليس هناك دعاء مخصوص بكل يوم أو ليلة من رمضان"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  4. عبدالله بن عبده نعمان العواضي (17/7/2014)، "رمضان والدعاء"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1079، حديث صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله وأبي أمامة، الصفحة أو الرقم:2170، حديث حسن.
  7. فريق اسلام ويب (28/10/2004)، "الأوقات التي يستحب فيها الدعاء في شهر رمضان"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:482 ، حديث صحيح.
  9. صلاح عامر، "رمضان شهر الصيام وبيان فضله"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1654، حديث حسن بجموع الطرق .
  11. أيمن الشعبان، "رمضان واحة الإيمان " شهر الدعاء" "، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ت فريق موقع الاسلام سؤال وجواب (5/11/2019)، "متى تكون دعوة الصائم التي لا ترد ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 15/4/2021. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في ضعيف الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1349، حديث ضعيف.
  14. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:921، حديث ضعيف.
  15. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3032، حديث حسن.
  16. ^ أ ب فريق اسلام ويب (27/3/2012)، "إجابة دعوة الصائم حال صيامه أم عند إفطاره"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 15/4/2021. بتصرّف.