الدعاء

إنّ للدعاء فضلٌ كبير وشأنٌ عظيم فمن خلال الدّعاء يكسِب المؤمن الفوز في الدّنيا من خلال حصولِه على عيش رغيد وكذلك الفوز في الآخرة من خلال بلوغه درجات الجنان العليا والنّجاة من عذاب النَار وبالدّعاء تنجلي الظّلمات وتنكشف الكُربات وتتحقّق الأمنيات والمعجزات، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،[١]فهذا دليل على وعد الله تعالى لعباده المؤمنين باستجابة دعاء من ناجاه ودعاه.[٢]

وفيما يأتي بيان شروط الدّعاء، وبعض القصص التي تبيّن كيف تتحقق المعجزات بالدّعاء:


شروط الدّعاء

حتّى يكون الدّعاء مستجابًا ويُحقق مبتغى المؤمن الدَاعي لا بُد أن تتوافر فيه بعض الشروط وهي:[٣]

  • أن يكون الدّعاء صادقًا خالصًا لله وحده لا شريك له، فالدّعاء عبادة وكل عبادة لا بدَّ أن تكون خالصة لله تعالى.
  • أن لا يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
  • (لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ ما لَمْ يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ ما لَمْ يستعجِلْ) قيل: يا رسولَ اللهِ ما الاستعجالُ؟ قال: ( يقولُ: يا ربِّ قد دعَوْتُ وقد دعَوْتُ فما أراكَ تستجيبُ لي فيدَعُ الدُّعاءَ).[٤]
  • أن يكون الدّعاء بقلب خاشع موقنًا بالإجابة؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ادْعُوا اللهَ وأنتم مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلَمُوا أنَّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافِلٍ لاهٍ).[٥]


أسباب استجابة الدّعاء

هُناك أمور يجب أن يراعيها المؤمن الذي يرتجي إجابة دعائه من ربّه تبارك وتعالى وهي كالآتي:[٣]

  • أن يفتتح دعائه بالثناء وحمد الله تعالى وشكره ثم الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام وأن يختتم دعائه بذلك أيضًا.
  • أن يرفع يديه عند الدّعاء.
  • أن يلحّ على الله تعالى بالدّعاء.
  • أن يدعو في الأوقات التي يستحب فيها الدعاء كالسجود والثلث الأخير من الليل وعند نزول المطر وعند الإفطار في الصيام وغير ذلك.
  • أن يتحرّى الحلال في طعامه وشرابه ويجتنب المحرّمات.


فإذا ما حقق المؤمن هذه الشروط والأسباب فإن ذلك يكون مَدعاةً لاستجابة دعائه وتحقيق أمنياته كما حدث في القصص الآتية من تحقيق المعجزات بالدّعاء.


قصص حول تحقيق المعجزات بالدّعاء

أولا: قصة ثلاثة نفر في الغار

وردت القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بيْنَما ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَتَماشَوْنَ أخَذَهُمُ المَطَرُ، فَمالُوا إلى غارٍ في الجَبَلِ، فانْحَطَّتْ علَى فَمِ غارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فأطْبَقَتْ عليهم، فقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أعْمالًا عَمِلْتُمُوها لِلَّهِ صالِحَةً، فادْعُوا اللَّهَ بها لَعَلَّهُ يَفْرُجُها. فقالَ أحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إنَّه كانَ لي والِدانِ شيخانِ كَبِيرانِ، ولِي صِبْيَةٌ صِغارٌ، كُنْتُ أرْعَى عليهم، فإذا رُحْتُ عليهم فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بوالِدَيَّ أسْقِيهِما قَبْلَ ولَدِي، وإنَّه ناءَ بيَ الشَّجَرُ، فَما أتَيْتُ حتَّى أمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُما قدْ ناما، فَحَلَبْتُ كما كُنْتُ أحْلُبُ، فَجِئْتُ بالحِلابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِما، أكْرَهُ أنْ أُوقِظَهُما مِن نَوْمِهِما، وأَكْرَهُ أنْ أبْدَأَ بالصِّبْيَةِ قَبْلَهُما، والصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذلكَ دَأْبِي ودَأْبَهُمْ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ فافْرُجْ لنا فُرْجَةً نَرَى مِنْها السَّماءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ لهمْ فُرْجَةً حتَّى يَرَوْنَ مِنْها السَّماءَ. وقالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إنَّه كانَتْ لي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّها كَأَشَدِّ ما يُحِبُّ الرِّجالُ النِّساءَ، فَطَلَبْتُ إلَيْها نَفْسَها، فأبَتْ حتَّى آتِيَها بمِئَةِ دِينارٍ، فَسَعَيْتُ حتَّى جَمَعْتُ مِئَةَ دِينارٍ فَلَقِيتُها بها، فَلَمَّا قَعَدْتُ بيْنَ رِجْلَيْها قالَتْ: يا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، ولا تَفْتَحِ الخاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْها، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي قدْ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ فافْرُجْ لنا مِنْها. فَفَرَجَ لهمْ فُرْجَةً. وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا بفَرَقِ أرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قالَ: أعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عليه حَقَّهُ فَتَرَكَهُ ورَغِبَ عنْه، فَلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ حتَّى جَمَعْتُ منه بَقَرًا وراعِيَها، فَجاءَنِي فقالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تَظْلِمْنِي وأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلتُ: اذْهَبْ إلى ذلكَ البَقَرِ وراعِيها، فقالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تَهْزَأْ بي، فَقُلتُ: إنِّي لا أهْزَأُ بكَ، فَخُذْ ذلكَ البَقَرَ وراعِيَها، فأخَذَهُ فانْطَلَقَ بها، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ ما بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ عنْهمْ).[٦]

يتبيّن من هذه القصة أن إزاحة الصّخرة عن فم الغار لن يتم إلا بمعجزة من الله وقد تحققت هذه المعجزة بالدعاء حيث دعا كل نفر منهم ربّه بإخلاص وبعمل صالح عمله فاستجاب الله دعاءهم وحقق لهم هذه المعجزة وأزاح الصخرة وفرّج الله عنهم ما هم فيه بالدّعاء.[٧]


ثانيًا: دعاء رجل من الأنصار

كان هناك رجل من الأنصار يدعى أبا معلق، وكان تاجرًا يتاجر بماله ومال غيره في البلدان المختلفة وكان صاحب دين وتقوى وفي إحدى الأيام لقيه لص مقنع ومسلّح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، فأجابه: وما تريد إلى دمي خذ مالي فقال له: أمّا المال فلي ولكنّي لست أريد إلّا دمك، قال: أما إذا أبيت فدعني أصلي أربع ركعات فرد عليه: صلِّ ما شئت، فتوضأ وصلى أربع ركعات، وفي آخر سجود دعا ربه: "يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعَّال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي يُضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني"، فدعا بها ثلاث مرات، وما إن فرغ من دعائه حتى ظهر له فارس بيده حِربة فأقبل على اللص فطعنه فقتله، فسأله أبا معلق: من أنت؟ فأجابه: أنا ملك من أهل السّماء عندما دعوت بدعائك سألت الله أن يولّيني أمرك وأقتل اللص ففعلت، وهكذا نجّى الله أبا معلق من الكرب بمعجزة من السّماء بالدّعاء.[٨]


ثالثًا: دعاء المحاميد

في إحدى الأيام خرج ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن نصر ومحمد بن هارون في رحلة إلى مصر، ونفذ ما معهم من قوت وطعام وأضرّهم الجوع، فاجتمعوا واتفقوا أن يضربوا قرعة فمن خرج اسمه سيذهب ويسأل عن طعام له ولإخوته، فخرجت القرعة على ابن خزيمة، فقال لهم: أمهلوني حتى أصلي، فاندفع بالصلاة والدعاء، فإذا برسول من والي مصر يدق الباب ففتحوا فقال: أيكم محمد بن نصر، فقيل: هو ذا فأعطاه خمسين دينارًا وأعطى البقية كذلك، فقال لهم: بينما كان الوالي نائمًا بالأمس فرأى في المنام أن المحاميد جياع فلما استيقظ من نومه أرسلني لأحضر لكم هذه فإذا نفذت من عندكم فابعثوا إليه، يتبين من القصة أنه بفضل الله ثمَّ دعائهم أرسل الله إليهم رزقًا وافرًا.[٩]


المراجع

  1. سورة البقرة، آية:186
  2. أبو حاتم سعيد القاضي (2018/12/31)، "الدعاء يصنع المعجزات"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2021/4/10.
  3. ^ أ ب "شروط الدعاء وأسباب الإجابة وموانعها"، إسلام ويب، 2006/2/16، اطّلع عليه بتاريخ 2021/4/10.
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:976، حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:245، حديث حسن.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5974، حديث صحيح.
  7. "آواهم المبيت إلى الغار"، اسلام ويب، 2003/7/26، اطّلع عليه بتاريخ 2021/4/10.
  8. صالح بن راشد الهويمل، "فاستجاب لهم ربهم قصص ممن استُجيبت لهم دعواتهم "]، موقع دار الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2021/4/10.
  9. فوزية الخليوي، "قصص واقعية في استجابة الدعاء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2021/4/10.