دعاء ذي النّون
هو الدّعاء الذي دَعَا به نبي الله يونس عليه السلام وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ، وقَالَ عنه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له)،[١] وهذا ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حين دعا به نبيه يونس عليه السلام؛ فقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}،[٢]فاستجاب الله دعوته وقال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}،[٣]فقد كان دعاؤه إقراراً منه بكمال الألوهية لله تعالى، وتنزيهاً عن النقص والعيب، واعترافاً منه بأنه ظلم نفسه وجنى عليها، فنجَّاه الله من الشّدة التي وقع بها، فقال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}،[٤] وقال السّعدي في تفسيره: "هذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم، أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف، لإيمانه، كما فعل بيونس عليه السلام "، وقال الطبري: "كان السلف يدعون بهذا الدعاء، ويسمونه دعاء الكرب".[٥]
للاطلاع على عناوين متعلقة بأدعية الأنبياء -عليهم السلام-: آيات أدعية الأنبياء، دعاء الأنبياء: هل هو مستجاب؟.
دعاء ذي النّون في القرآن الكريم والسنة النبوية
{لَّا إِلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.[سورة الأنبياء، آية:87]
(ألا أخبرُكم بشيءٍ إذا نزَل برجلٍ منكم كَربٌ، أو بلاءٌ، مِن أمرِ الدنيا دعا به ففرَّج عنه؟ دعاءُ ذي النونِ: لا إلهَ إلا أنتَ سُبحانَكَ إني كنتُ منَ الظالِمينَ).[رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:2846، حديث صحيح.]
شرح دعاء ذي النون
تَضمَّن دعاء ذي النون مفهوم الكمال لله تعالى في التوحيد والعبودية والأسماء والصّفات وذلك على النحو الآتي:
- أثبتَ بدعائه كمال توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية وذلك في قوله: "لا إله إلا أنت".
- أثبتَ كمال الأسماء والصفات في تنزيه الله تعالى عن كلّ عيب أو نقص أو سوء وذلك في قوله: "سُبحانك".
- أثبت الاعترافَ بالذنب والخطأ، والخضوع لله تعالى وطلب المغفرة منه ضمنياً وذلك في قوله: "إني كنت من الظالمين"، وهذا اعتراف بالظلم للنفس يتمثّل فيه إيمان العبد بالشّرع، وإيمانه بالثواب والعقاب، وانكساره وافتقاره، ورجوعه لله تعالى.
فضل دعاء ذي النّون
تضمّن دّعاء ذي النون صدق العبودية لله تعالى من عدّة أوجه يقع بها التّوسل لله وهي التوحيد، والتنزيه، والعبودية، والاعتراف؛ فإنّ لسان حال الدّاعي يقول: "يا ربّ أنت الواحد الأحد المتفرّد بالألوهية، يا رب أنت الكامل في أسمائك، وصفاتك، وأنت المُنزّه عن أي عيب أو نقص، وما وقع لي إنّما هو من نفسي وليس ظلماً منك، فإني قد ظلمت نفسي، واعترف أني أذنبت ذنباً عرّضني للهلاك، فإني أطلب منك المغفرة، والتجاوز عن هذا الذنب، فأنقذني ممّا أنا فيه من الكرب، والشدة، وها أنا ذا أدعوك وأرجوك بألطف الكلمات، مع تمام الأدب، وأُحسن الطلب، فأوجِب استجابة دعائي يارب"، وقد جاءت البشارة من الله تعالى لكلّ من دعا بهذا الدّعاء وذلك في قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}،[٣] بالفاء التي تفيد التعقيب مباشرة دون تأجيل، وبالألف والسين والتاء التي تُشير إلى المبالغة بالإجابة العظيمة من واسع فضله، ثم قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}،[٣] بمعنى أنه كما نجينا يونس من هذا الكرب وهو في بطن الحوت، وفي أعماق البحر، فكذلك سننجي من يستغيث من كربه ويدعونا بداعئه من المؤمنين، قال ابن القيم رحمه اللَّه: "أمّا دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للربّ عز وجل، واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهمّ والغمّ، وأبلغ الوسائل إلى اللَّه سبحانه وتعالى في قضاء الحوائج".[٦]
أدعية متنوعة للدعاء بها بعد دعاء ذي النون
إِن استَفتَحَ الدّاعي بهذا في الدُّعاء ثم دَعا بعده بحاجته فإن ذلك حسن، لأن الاستكثار من الدعاءِ والجمع بين الأدعية مشروع في أصله، وهذا هو أحد آراء أهل العلم في معنى تسميته دعاءً مع أنّه ذِكر، فقد قال الأمير الصنعاني رحمه الله: " فإن قيل: هذا ذكر لا دعاء! قلنا: هو ذكر يفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء ".[٥]
- (اللهم اني أسألك الرضى بعد القضاء).[٧]
- (يا حيُّ يا قيُّومُ برَحمتِكَ أستَغيثُ أصلِح لي شأني كُلَّهُ ولا تَكِلني إلى نَفسي طرفةَ عينٍ).[٨]
- (حَسبيَ اللهُ لا إلهَ إلَّا هو، عليه تَوكَّلْتُ، وهو ربُّ العَرشِ العَظيمِ).[٩]
- (اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ، وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ).[١٠] (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ).[١١]
- (ربِّ أعنِّي ولا تُعِن عليَّ، وانصرني ولا تنصُر عليَّ، وامكُر لي ولا تمكُر عليَّ، وانصُرني على من بَغى عليَّ، ربِّ اجعلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطواعًا، لَكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل توبَتي، واغسِل حوبَتي، وأجِب دعوتي، وثبِّت حجَّتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لِساني، واسلُل سخيمةَ قلبي).[١٢]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:3505 ، حديث صحيح.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:87
- ^ أ ب ت سورة الأنبياء، آية:88
- ↑ سورة الصافات، آية:144
- ^ أ ب فريق موقع الاسلام سؤال وجواب (14-11-2019)، "الدعاء بدعوة ذي النون"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 14-3-2021. بتصرّف.
- ↑ فريق موقع الكلم الطيب، "شرح دعاء "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ""، الكلم ، اطّلع عليه بتاريخ 19-3-2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في الكلم الطيب، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:106، حديث إسناده صحيح.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:313، حديث إسناده صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج زاد المعاد، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم:342، إسناده صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2864، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2720 ، صحيح.
- ↑ رواه ابن لبقيم، في الوابل الصيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:196 ، حديث صحيح.