أمن يجيب المضطر إذا دعاه

لقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالدعاء، ووعدهم بالإجابة، قال -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[١] فالله -سبحانه وتعالى- قريب من عباده، يسمع دعاءهم ويستجيب لهم، فليس للمظلومين إلا هو، وليس للمحتاجين إلا هو، وليس للمضطرين إلا هو، قال -تعالى-: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ[٢] أما الذين لا يستجيبون لأمر الله -تعالى- فلا يدعونه؛ فأولئك خرجوا من صفة العبودية، ودخلوا في صفة الكبر والعصيان، وعرّضوا أنفسهم لسخط ربهم، والعياذ بالله، قال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[٣] فالعبد المؤمن دائم الافتقار إلى ربه، ودائم التوجه إليه، يدعوه وهو محسن للظن به، وعنده يقين بأنَّه صاحب المن والجود، والكرم والإحسان، والرحمة والغفران، فالتوفيق للدعاء نعمة ومنحة إلهية من أعظم النعم.[٤]


لماذا لا يستجيب الله دعائي؟

ربما يتسائل بعض الناس، لماذا ندعو ولا يستجاب لنا؟ وهم لا يعلمون حقيقة الأمر، فالحقيقة أن الدعاء لا يستجاب بمجرد أن يدعو الشخص، بل هناك شروطًا لاستجابة الدعاء وموانع تمنع منها، والاستجابة كذلك ليست نوعاً واحداً، بل لها أنواع وصور مختلفة، ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (ما مِنْ مُسلِمٍ يَدْعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللهُ إِحْدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّلَ لهُ دعوتَهُ، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها لهُ في الآخِرةِ، وإمَّا أنْ يصرِفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها)،[٥] والدعاء بحد ذاته نعمةٌ من الله -تعالى- وتوفيق وفضل منه، لا يوفق إليه جميع الناس، وكذلك فالاستجابة فضل وعطاء آخر من الله -تعالى-.[٦][٧]


أسباب عدم استجابة الدعاء

إذا دعا المسلم ربَّه -تعالى- ولم تستجب دعوته؛ فإنَّ ذلك يعود إلى واحد من أربعة أسباب، وهي:[٨]

  • قد لا تستحق الإجابة لعدم الأخذ بأسبابها وتحقيق شروطها.
  • قد يكون لم يحن وقت الاستجابة بعد، لأنَّ لكل شيءٍ أجلٌ عند الله -تعالى- ففي هذه الحالة يجب عدم الاستعجال، والاستمرارُ بالدعاء حتى يحين موعد الإجابة.
  • قد تكون الإجابة على صورة أخرى غير التي يتوقعها الداعي، فربما يصرف الله -تعالى- عنه شراً كان من المقدر أن يقع عليه، فهذا وجه من وجوه إجابة الدعاء.
  • قد لا تحصل استجابة الدعاء في الدنيا، فربما يكون ما طلبه العبد ليس رزقاً مقسوماً له في الدنيا، فيؤخر الله -تعالى- له ثواب دعائه إلى يوم القيامة، ويدخرُ له أجراً عظيماً ومغفرةً منه ورضوان، وهذا وجه آخر من وجوه الإجابة.


شروط استجابة الدعاء

إن لاستجابة الدعاء شروطاً ينبغي أن تتوفر حتى يكون الدعاء مهيئاً ومؤهلاً للاستجابة، ومن هذه الشروط ما يتعلّق بالدعاء نفسه ومنها ما يتعلّق بالداعي، فلا بدَّ للمسلم من معرفة هذه الشروط حتى يكون دعاؤه صحيحاً ومقبولاً بإذن الله -تعالى- أما موانع الاستجابة فهي عكس الشروط؛ أي عدم تحققها، ومن شروط استجابة الدعاء ما يأتي:[٦]

  • الصدق والإخلاص لله في الدعاء: ومعنى ذلك أن يصدق الداعي مع ربه ويخلص له في دعائه، بأن يدعوه وحده لا يشرك به شيئاً، متذللاً معترفاً بعجزه وفقره إلى الواحد القهار، قال -تعالى-: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}،[٩] وقال أيضاً: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.[١٠]
  • التوبة من الذنوب والمعاصي وكثرة الاستغفار: فالإقرار بالذنب والاعتراف به والتوبة منه والاستغفار؛ من أعظم أسباب الإجابة، قال -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[١١] وقال أيضاً على لسان نوح -عليه السلام-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.[١٢]
  • عمل الصالحات والإكثار من الطاعات وعدم التقصير: فإنَّ التقصير في الطاعة والعبادة قد يكون سبباً لعدم استجابة الدعاء، قال -تعالى-: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}،[١٣] وقد روى ربيعة بن كعب -رضي الله عنه- وقد كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ).[١٤]
  • الخشوع وحضور القلب في الدعاء: فالله -سبحانه- لا يستجيب ممن يدعوه بقلب لاهٍ، فينبغي أن يكون القلب خاشعاً لله وحاضراً مع الله ومستشعراً لخشية الله وجلاله، ومحسناً لظنه بربه -تعالى- موقناً بإجابته، وقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا).[١٥]
  • التضرع والانكسار وعدم التعدي في الدعاء: وذلك بإظهار الضعف والافتقار لله -تعالى- والتذلل له، وخفض الصوت والبعد عن الرياء، قال -تعالى-: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.[١٦]
  • عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، وعدم استعجال الإجابة، والإلحاح في الدعاء وتكراره: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ).[١٧]
  • طيب المأكل والمشرب والملبس: فإنَّ أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا، إنِّي بما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقالَ: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟).[١٨]
  • التوسل لله -تعالى- في الدعاء: بأحد أنواع التوسل المشروع، كالتوسل بأسماء الله الحسنى، والتوسل بصالح الاعمال.
  • اختيار الأدعية المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والدعاء بها: لأنَّها من جوامع الكلم وفيها خير الكلام وأفضل الدعاء، فليس هناك أحسن وأنفع من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يجوز الدعاء بأي صيغة لا تخالف الشرع وبما يطلبه الإنسان من حاجات خاصة لنفسه.[٨]


آداب الدعاء

وللدعاء آداب أيضاً، منها:[٦]

  • استقبال القبلة.
  • الطهارة في وقت الدعاء.
  • ابتداء الدعاء بالحمد والثناء على الله عز وجل.
  • الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • رفع اليدين بالدعاء.




ومما يعين على إجابة الدعاء؛ تحري أوقات الاستجابة كجوف الليل ووقت السحر، والأماكن الفاضلة كالمساجد بشكل عام والمسجد الحرام بشكل خاص.



المراجع

  1. سورة البقرة، آية:186
  2. سورة النمل، آية:62
  3. سورة غافر، آية:60
  4. أبو الهيثم محمد درويش (17/9/2017)، "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/4/2021. بتصرّف.
  5. رواه شعيب الأرناووط، في تخريج شرح السنة، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:187، حديث صحيح.
  6. ^ أ ب ت رقم السؤال5113 (8/2/2000)، "لماذا لا يستجيب الله لدعائنا ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 15/4/2021. بتصرّف.
  7. خالد الرفاعي (4/8/2012)، "لماذا لا يستجاب دعائى رغم أني أدعو بكل ثقة؟"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 15/4/2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب أبو حاتم سعيد القاضي (27/10/2018)، "عشرة أسباب لتكون مجاب الدعاء"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 15/4/2021. بتصرّف.
  9. سورة غافر، آية:14
  10. سورة الجن، آية:18
  11. سورة القصص، آية:16
  12. سورة نوح، آية:10-12
  13. سورة الأنبياء، آية:89-90
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ربيعة بن كعب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:489، حديث صحيح.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم: 2722، حديث صحيح.
  16. سورة الأعراف، آية:55
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2735، حديث صحيح.
  18. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1015، حديث صحيح.