ليل المؤمنين

الليلُ روضةُ المتقين وأنيسُ الصالحين يتعبدون فيه لربهم ويلجأون إليه -تعالى- ويرفعون أيديهم بالدعاء ويطلبون حاجاتهم منه، فيُقرِّبُهم ويَرفعُ ذكرَهُم ويعطيهم ما سألوا، قال -تعالى-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}،[١] وقد مدح الله -تعالى- عباده المتقربين إليه في الليل ووصفهم بالتقوى والإحسان، فهم يتركون لذة النوم للتقرب إليه، قال -تعالى-: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}،[٢] فالليل هو الوقت الأفضل لمناجاة الله -تعالى- ودعائه واستغفاره، لأن فيه الإخلاص في العبادة، حيث لا يرى العبدَ أحدٌ إلا اللهُ -تعالى- جاء في الحديث النبوي: (أقربُ ما يكون العبدُ من الرَّبِّ في جوفِ اللَّيلِ، فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكر اللهَ في تلك الساعةِ فكُنْ)،[٣] فمن السُّنة الدعاءُ في جوف الليل، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يداوم على قيام الليل وذكر الله -تعالى- ودعائه فيه.[٤]


هل الدعاء في جوف الليل مستجاب؟

الدعاء في جوف الليل مستجاب، كما ثبت في السنة النبوية، وجوفُ الليل هو الثلث الأخير منه، وهو أفضل أوقاته، وقد وردت عدة أحاديث صحيحة تدل على ذلك، نذكر منها ما يأتي:

  • (ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حين يبقَى ثلثُ اللَّيلِ الآخرِ فيقولُ مَن يَدعوني فأستجيبَ له ومَن يسألُني فأعطيَه ومَن يستغفرُني فأغفرَ له).[٥]
  • (ما من مسلمٍ يَبِيتُ على ذِكْرٍ طاهرًا، فيَتَعارُّ من الليلِ، فيسألُ اللهَ خيرًا؛ إلا أعطاهُ إياهُ).[٦]
  • (إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً، لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ).[٧]
  • (مَن تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ).[٨]


فينبغي على المؤمن أن يتحرى أوقات استجابة الدعاء، وخاصة في جوف الليل فهو وقت النزول الإلهي الذي يتفضل الله -سبحانه وتعالى- به على عباده فيستجيب دعاء من يدعوه منهم، ويقضي حاجة من له حاجة منهم، ويغفر لمن يستغفره، ويتوب على من تاب إليه، فما بعد هذا المن والكرم والجود من إنعام ومن فضل وإكرام، فينبغي لصاحب الحاجة أن يقوم بالليل والناس نيام في الثلث الأخير في وقت التجلي الإلهي والرحمة النازلة، وصفاء النفس والفكر والقلب، ويطلب من الله حاجته، وينبغي لصاحب الذنب أيضاً أن يفعل ذلك بقلب حاضر، وتذلل وانكسار، فهذا وقت اغتنام الفرصة والفوز بالإجابة، لذلك كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- حريصاً كل الحرص على الاستيقاظ في الليل وذكر الله -تعالى- والدعاء والاستغفار والمناجاة والتوجه إلى الله -تعالى- بطلب الرحمة والمغفرة والهداية، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تتورم قدماه مع أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يحب أن يتقرّب من ربه -عز وجل- ويشكره على نعمه حق الشكر، وكان يحب أن يدلّ أمته على الخير والنجاة والفوز والفلاح فهو بالمؤمنين رؤوف رحيم ما ترك شيئاً من الخير والبرّ إلا وقد دلنا عليه، وما ترك شيئاً من الشر والإثم إلا وحذّرنا منه.[٩]


أدعية يمكن أن تُقال في جوف الليل

وردت العديد من الأدعية التي يمكن أن تُقال في جوف الليل، وفي الآتي ذكر لها:[٩]

  • (اللَّهمَّ اغفِر لي واهدِني وارزُقني وعافِني).[١٠]
  • (اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ الضِّيقِ يَومَ الحِسابِ).[١١]
  • (اللهمَّ اجعلْ في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خَلْفي نورًا، واجعلْ لي في نفسي نورًا، وأَعظِمْ لي نورًا).[١٢]


أوقات استجابة الدعاء

من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء غير جوف الليل أيضاً، ما يأتي:[١٣]

  • بين الأذان والإقامة.
  • في السجود من الصلاة.
  • في نهاية كل صلاة قبل التسليم.
  • بعد نهاية الصلاة المفروضة.
  • في ساعة يوم الجمعة.
  • في ليلة القدر.
  • عند سماع صوت صياح الديك.
  • عند شرب ماء زمزم.
  • عند الدعاء بـ"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
  • عند وقوع المصيبة إذا دعا بـ "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها".
  • عند نزول المطر.
  • عند التحام الصفوف والتقاء الجيوش في المعركة.


المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:79
  2. سورة الذاريات، آية:15-18
  3. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عمرو بن عبسة، الصفحة أو الرقم:1647، حديث صحيح.
  4. وحيد بالي (28/10/2014)، "فضل عبادة الليل على عبادة النهار"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3498، حديث صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:5042، حديث صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:757، حديث صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبادة بن الصامت ، الصفحة أو الرقم:1154، حديث صحيح.
  9. ^ أ ب رقم السؤال291824 (25/11/2018)، "فضل الدعاء في الثلث الأخير من الليل"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5550، حديث صحيح.
  11. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:25102، حديث حسن.
  12. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1259، حديث صحيح.
  13. رقم السؤال22438 (23/7/2004)، "أماكن وأوقات إجابة الدعاء"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2021. بتصرّف.