مفهوم الدعاء البدعي

الدعاء البدعي هو الدعاء الذي يرافقه أعمال تُخالف الشريعة الإسلامية، ولم يُشرعها الله -تعالى- لعباده ولا نبيّه -عليه الصلاة والسلام-، أو هو التقرب إلى الله -تعالى- بما لا يرضاه من الأقوال والأفعال، ويأتي مقابله الدعاء الشرعي، وهو التقرب إلى الله -تعالى- بما يحبّ ويرضى من الأقوال، كالتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، وبالعمل الصالح.[١]


وبالبحث عن الدعاء البدعي يتبيّن أنّه ينقسم إلى عدّة أقسام، وهي: التوسل البدعي بالأشخاص، أو الدعاء عند القبور، أو تخصيص أدعيةٍ معيَّنةٍ بأزمنةٍ محدّدة لم يرد الشرع بتخصيصها بها، ونذكر هذه الأقسام بشيءٍ من التفصيل والتوضيح في المباحث الآتية:


أولاً: التوسل البدعي

التوسل البدعي هو دعاء الله -تعالى- مع إحداث شيءٍ ليس له أصلٌ في الشرع، وأبرز مثالٍ على ذلك هو الدعاء عند القبور مع اعتقاد أنّ هذا المكان له خصوصيةٌ في إجابة الدعاء، أو أنّه مكانٌ مباركٌ للدعاء، أمّا إذا اعتقد صاحب الدعاء أنّ الميت الذي في القبر وسيلةٌ إلى الله، فتوسّل واستغاث به في دعائه فيُصبح هذا توسُّلاً شركياً -والعياذ بالله-، لأنّه يُنافي إفراد الله -تعالى- بالاستعانة، ويُنافي اعتقاد أنّ الله سبحانه- هو النافع والضارّ وحده.[٢]


ومن ذلك أيضاً ما يُسمّى بالتبرّك، سواءً كان هذا التبرّك بالقبر أو بالميّت مع اعتقاد أنّ الله -تعالى- جعل في القبر وصاحبه بركةً تنفع في الدعاء، فهذا كلّه من التوسّل البدعي المحرّم؛ لأنّ فيه إحداث عبادةٍ ليس لها أصل ولا دليل عليها، وعدّه العلماء من الشّرك الأصغر؛ لجعل ما ليس بسببٍ شرعي سبباً في إجابة الدعاء، وقد يُفضي بصاحبه إلى الشرك الأكبر إذا رافقه أعمال تُنافي توحيد الله -تعالى-.[٣]


ولعلّ من أبرز مظاهر ذلك: التبرّك بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلب الدعاء منه عند قبره، فهذا من الأعمال غير المشروعة، لأنّ التوسّل بالنبيّ مشروعٌ في حياته -صلى الله عليه وسلم- فقط،[٣] وقد قال ابن تيمية -رحمه الله-: "لا يَقِفُ عند القَبرِ للدُّعاءِ لنَفْسِه؛ فإنَّ هذا بدعةٌ، ولم يكُنْ أحدٌ مِن الصَّحابةِ يَقِفُ عِندَه يدعو لنَفْسِه، ولكِنْ كانوا يَستَقبِلونَ القِبْلةَ، ويَدْعونَ في مَسجِدِه".[٤]


وإنّما المشروع عند زيارة القبور أن يُسلّم المسلم على الأموات، ويدعو لهم بما علّم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فيقول: (السَّلَامُ علَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ)،[٥] أمّا استقبال القبور وتحرّي الدعاء عندها للنفس أو للغير فهو غير مشروع.[٦]


ثانياً: إحداث أدعية وتخصيصها بوقتٍ معيّن

إنّ النوع الثاني من الدعاء البدعي هو تخصيص أدعيةٍ معيّنة بأوقاتٍ وحالاتٍ محدَّدةٍ لم يأتِ الشرع بتخصيصها بها، مثل إحداث دعاءٍ خاصٍ والمواظبة عليه في وقتٍ أو عند فعلٍ معيّن، واعتقاد وجود فضيلةٍ له أو أنّه من السنّة، فهذا يدخل في البدعة أيضاً؛ لأنّه من قبيل تشبيه غير السنّة بالمسنون عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-،[٧] ولا يُشرع أيضاً نشر هذه الصيغ للناس على أنّها مستحبّة في حالاتٍ معيّنة لم يرد فيها دليلٌ شرعي.[٨]


ولكن يُشرع للمسلم أن يختار من الدعاء ما شاء وأحبّ إذا كان لا يُخالف الشرع، ويدعو به وإن كان من غير الأدعية المأثورة، لأنّ الدعاء بابه واسعٌ وعظيم، ولقول النبي الكريم: (ليتخيَّرْ أحدُكم مِنَ الدُّعاءِ أعجَبَه إليه، فيدعوَ به)،[٩] فإذا قيّد المسلم الأدعية المطلقة بوقتٍ أو مكانٍ أو حالٍ أو عددٍ معيّن أصبح ذلك من الدعاء البدعي؛ لأنّ العبادات مبناها على التوقيف، ولأنّ تخصيص دعاءٍ معيَّنٍ بوقتٍ وحالٍ معيَّنٍ واتّخاذه سنّة راتبة يحتاج إلى دليلٍ شرعي.[١٠]

المراجع

  1. "التوسل الشرعي والبدعي"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  2. ناصر العقل، شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية، صفحة 12، جزء 11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "التبَرُّكُ البِدْعيُّ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  4. ابن تيمية، مناسك الحج لابن تيمية، صفحة 137.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمى، الصفحة أو الرقم:975، صحيح.
  6. محمد باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 310، جزء 1. بتصرّف.
  7. "إحداث دعاء معين والدعاء به في وقت معين.. هل يعتبر بدعة؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  8. الشيخ محمد طه شعبان، "هل هناك ابتداع في الدعاء؟"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  9. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:968، صححه الألباني.
  10. "حكم المداومة على دعاء غير مأثور في أحوال معينة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.