أهمية الإخلاص في التوجّه إلى الله وفي الدعاء

إخلاص العمل لله تعالى يعدّ شرطاً لقبوله، يقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}،[١] فبه سعادة المرء ونجاته في الدارين، وقال الله -سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}،[٢] فالإخلاص هو أن يقصد المسلم بعمله وجه الله تعالى وتحصيل الإخلاص في قلب العبد يحتاج إلى جهاد مع نفسه، حتى قال الإمام سفيان الثوري -رحمه الله-: "ما عالجت شيئًا أشدّ عليّ من نيّتي إنّها تتقلّب عليّ"، وفي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الشركُ فيكم أخفى من دبيبِ النملِ، وسأدلُك على شيءٍ إذا فعلتَه أذْهَبَ عنك صَغارُ الشركِ وكبارُه، تقولُ: اللهمَّ إني أعوذُ بك أنْ أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفرُك لما لا أعلمُ).[٣]


فعُلم من ذلك أهميّة الإخلاص وأنّ المسلم قد يعتريه من أسباب الرياء والشرك الخفيّ ما يعطّل عليه ويُذهب عنه ثواب عمله بسبب عدم إخلاصه، فالواجب على المسلم في عبادته وفي دعائه أن يتوجّه إلى الله -سبحانه وتعالى- بالسرّ والخفاء لأنّ ذلك؛ أقرب إلى القبول وإلى ترتّب الثواب من الله تعالى للعبد، وقد مدح الله تعالى نبيّه زكريا -عليه السلام- عندما دعا ربّه بالخفاء فقال -جلّ علا-: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}،[٤][٥] وفي الآتي بيان كيفية تحقيق التوجّه إلى الله في الدعاء بالسرّ، وذكر لأهمّ ثماره العائدة على المسلم في الدنيا والآخرة:


كيفية تحقيق الإخلاص في التوجّه إلى الله وفي الدعاء

إنّ من أعظم البواعث التي تعين المسلم على تحقيق عبادة السرّ والإخلاص لله تعالى في عبادته وفي الدعاء ما يأتي:[٦]

  • استحضار عظمة الله -سبحانه وتعالى- والعلم به وبأسمائه وصفاته الحسنى، وأن النّفع والضُرُّ كلُّهُ بيده، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.[٧]
  • علم المسلم بخطورة الرياء، وأنّه محبطٌ للعمل مبطلٌ له، قال الله -تبارك وتعالى- محذّراً منه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.[٨]
  • مجاهدة النفس على الإخلاص، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.[٩]
  • استعانة المسلم بربّه -سبحانه وتعالى- في دعاءه بأن يوفقه للإخلاص، وقد علّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءً نتخلص به من الرياء، أنّه قال: (الشركُ فيكم أخفى من دبيبِ النملِ، وسأدلُك على شيءٍ إذا فعلتَه أذْهَبَ عنك صَغارُ الشركِ وكبارُه، تقولُ: اللهمَّ إني أعوذُ بك أنْ أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفرُك لما لا أعلمُ).[٣]
  • الحرص على عبادة الخفاء، ففي الحديث يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ استطاعَ منكم أنْ يكونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عمَلٍ صالِحٍ فلْيَفْعَلْ).[١٠]


ثمرات الإخلاص في التوجّه إلى الله وفي الدعاء

من أهمّ ثمرات الإخلاص والفوائد التي يجتنيها المسلم عندما يسير إلى ربّه -تبارك وتعالى- بالعبادة وبالدعاء سرًّا ما يأتي:[١١]

  • الامتثالٌ لأمر الله تعالى القائل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.[١]
  • بلوغ العبد مبلغ العمل، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أتى فِراشَه، وهو ينوي أن يقومَ يصليَ من الليلِ، فغلبته عيناه حتى أصبحَ كُتِبَ له ما نوى، وكان نومُه صدقةً عليه من ربِّه، عز وجل).[١٢]
  • خلاص العبد من كيد الشيطان، قال الله -سبحانه وتعالى- عن نبيّه يوسف عليه السلام-: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.[١٣]
  • تنفيسٌ للكرب والخروج من الشدائد، ويدل على ذلك ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، في حديث وفيه: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ثلاثة نفر كانوا في مسير فأطبق عليهم الغار، فدعوا الله تعالى وتوسّلوا إليه بصالح أعمالهم واجتمعو الثلاثة على أنّ العمل الذي نجّاهم الله منه هو قولهم: (اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتَهْزِئُ بي، فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ).[١٤]
  • ملأ حياة العبد بالتوفيق والبركة، و يُنقّي القلب من الأحقاد والأغلال، وهو سرّ الوصول إلى الله -جلّ وعلا-،وهو طريق الجنة.


المراجع

  1. ^ أ ب سورة البينة، آية:5
  2. سورة الكهف، آية:110
  3. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:3731، حديث صحيح.
  4. سورة مريم، آية:3
  5. "الإخلاص..نجاة الأبد اسم الكاتب: إ"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
  6. "كيفية تحقيق الإخلاص"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
  7. سورة الأعراف، آية:194
  8. سورة الزمر، آية:65
  9. سورة العنكبوت، آية:69
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن الزبير بن العوام وعبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6018، حديث صحيح.
  11. "ثمرات الإخلاص"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
  12. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:1786، حديث صحيح.
  13. سورة يوسف، آية:24
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2272، حديث صحيح.