الدعاء بأسماء الله الحسنى

الدعاء هو العبادة كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ هو العبادةِ)،[١] والدعاء بأسماء الله -تبارك وتعالى- الحسنى هي روح الدعاء وجوهره، يقول تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}،[٢] فمن ثمرات معرفة أسماء الله الحسنى؛ دعاء الله -سبحانه وتعالى- بها،[٣] وفي الآتي تفصيل لذلك:


كيف أدعو الله بأسمائه الحسنى؟

قسّم العلماء الدعاء بأسماء الله الحسنى على مراتب وفي الآتي شرح لهذه المراتب:

  • دعاء ثناء: وهو بأن يثني العبد على ربّه -تبارك وتعالى- بما هو أهله فيقول في دعائه: يا رحمن يا رحيم يا سميع يا بصير، وفي الحديث سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سمع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رجلًا يدعو في صلاتِه، لم يُمجِّدِ اللهَ -أي: لم يثن عليه-، ولم يُصلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (عجِلَ هذا ثم دعاه فقال له أو لغيرِه: إذا صلَّى أحدُكم فليبدأ بتمجيدِ اللهِ والثناءِ عليه، ثم يُصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ثم يدعو بعدُ بما شاء).[٤][٣]
  • دعاء العبادة: وهو أن تتعبّد الله -سبحانه وتعالى- بمقتضى هذه الأسماء، بأن يظهر آثارها على سلوك العبد في كلّ شؤونه وأحواله.[٣]
  • دعاء المسألة (دعاء الطلب): وهو أن تدعو الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى، بما يناسب الحال؛ فتقول مثلًا: عند دعاء الله الرزق تدعو الله باسمه الرزّاق، والرازق وكذا.[٣]


الإيمان بأسماء الله وصفاته الحسنى

الإيمان بأسماء الله الحسنى يقوم على الأخذ من الكتاب والسنة، فهو علم توقيفيّ قائم على الدليل النقليّ وهنا قواعد مهمة في فهم أسماء الله -تبارك وتعالى- وصفاته -جلَّ وعلا-:[٥]

  • الإيمان بما جاء عن الله -تبارك وتعالى- وبما ثبت عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعدم معارضة شيء منهما أو ردّه بقياس أو رأي أو هوًا، وإنما التسليم الكامل لهما، كما قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،[٦] فمثلاً قوله -سبحانه وتعالى- : {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[٧] وجب الإيمان بذلك وإثبات صفتي المغفرة والرحمة له سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهكذا مع كل الصفات التي ثبتت لله تعالى بالأدلة الشرعيّة.
  • وجوب إجراء نصوص الصفات على ما دلّ عليه ظاهر اللفظ على الوجه اللائق به سبحانه، ففي قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}،[٨] فالواجب في ذلك هو إثبات صفة السمع له سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به، وعليه نقول: إن لله عز وجل سمعًا يليق بجلاله، ليس كسماع المخلوقين؛ لأنّ سماع المخلوقين يعتريه ما يعتريه من الضعف والعجز، وأمّا سماع الله -تبارك وتعالى- قد أحاط بكلّ مسموع، لا يخفى عليه صوت، وهكذا نؤمن بجميع أسماء الله وصفاته الحسنى.
  • أن هناك فرق بين "القدر المشترك والمميّز" بين الخالق والمخلوقين، فالقدر المشترك يكون بالاشتراك بالاسم فقط، والقدر المميّز هو الذي يميّز صفات الله تعالى عن صفات المخلوقين، فصفاته -تبارك وتعالى- تليق بجلاله وعظمته وكماله وصفات المخلوقين يعتريها ما يعتريها من الضعف والعجز، فعلم بذلك أنّ إثبات الصفات التي أثبتها لنفسه أو أثبتها له نبيّه -صلى الله عليه وسلم- لا يستلزم مشابهة الله بخلقه، كما قال الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.[٩]


ثمرات معرفة أسماء الله وصفاته الحسنى

شرف العلم يكون بشرف المعلوم؛ ولا شكّ أنّ أشرف العلوم على الإطلاق العلم بالله -عز وجل- ومعرفة أسمائه وصفاته الحسنى، إذ إنّ أصل العلوم هو العلم بالله -سبحانه وتعالى- فكلّ العلوم ترجع إليه ومن عظيم الثمرات التي ترجع على سلوك العبد في معرفة أسماء الله وصفاته البالغة في الحسن غايته هي:[١٠]

  • محبة الله تعالى ومراقبته؛ لأنّ العبد إذا عرف عِظم وجمال أسماء الله تعالى وصفاته، راقب ربّه، وتعلّق به، وامتلأ قلبه حبًا ورجاءً وخوفًا منه -سبحانه وتعالى-، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.[١١]
  • الشوق إلى الله: فكلما ازداد العبد علمًا بالله -تبارك وتعالى-، واكتملتْ عنده معرفته بأسمائه وصفاته، ازداد شوقًا إلى ربه، لأنَّ المحبة والشوق إلى المحبوب تابعان للعلم به فهما من آثاره، ولذا فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقول في دعائه وهو أعرف النّاس بربّه -سبحانه وتعالى-: (وأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِك).[١٢]
  • خشية الله: قال ابن القيم: "خشية الله متوقفة على معرفة جلال الله وعظمته، فكلما كان العبد بالله أعرف كان له أشد خشية، وكلما كان به أجهل كان أشد غرورًا به وأقل خشيًة".
  • الرضا بقضاء الله وقدره: فمن عرف الله -سبحانه وتعالى- بصفات عدله وحكمته، ورحمته ولطفه، وأنّه سبحانه الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير، الحكم العدل، أثمر ذلك في قلبه الرضا بحكم الله وقدره.
  • الرجاء والدعاء: قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.[١٣]


المراجع

  1. رواه النووي، في الأذكار، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:478، إسناده صحيح.
  2. سورة الأعراف، آية:180
  3. ^ أ ب ت ث "خطبة عن أسماء الله الحسنى"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3/4/2021.
  4. رواه الألباني، في فضل الصلاة، عن فضالة بن عبيد، الصفحة أو الرقم:106، حديث إسناده حسن رجاله ثقات رجال مسلم.
  5. "قواعد في الأسماء والصفات"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 3/4/2021.
  6. سورة النور، آية:51
  7. سورة يونس، آية:107
  8. سورة البقرة ، آية:137
  9. سورة الشورى، آية:11
  10. "ثمرات معرفة الله بأسمائه وصفاته"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 3/4/2021.
  11. سورة البقرة، آية:165
  12. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج أقاويل الثقات، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:79، صحيح.
  13. سورة البقرة، آية:186