الدعاء بصالح الأعمال

إن الدعاء بصالح الأعمال هو أمر مشروع ومستحب في الإسلام، وهو نوع من أنواع التوسل الصحيح، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}،[١] وقال أيضاً: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}،[٢] فابتغاء الوسيلة هو أن يتقرب العبد من ربه بالطاعة، وبامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وبالإكثار من الأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله، ثم باتخاذ العمل الصالح وسيلةً لإجابة الدعاء، فيتوسل به إلى ربه -عز وجل- تذللاً وافتقاراً، وابتغاءً لمرضاته وقبوله، وهذا لا ينقص من أجره بل يزيده بإذن الله، وليس شرطاً للإجابة بل هو سببٌ لها بإذن الله، كما جاء في القصة التي رواها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فأُغلقَ عليهم بابه، فصاروا يدعون الله ويتوسلون إليه بصالح أعمالهم، حتى استجاب الله لهم.[٣]


قصة الثلاثة والغار

جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- في قصة الثلاة وأصحاب الغار أنَّه قال:

(انطَلَق ثلاثةُ رهْطٍ ممن كان قبلَكم؛ حتى أووا المبيتَ إلى غارٍ، فدخلوه، فانْحدَرتْ عليهم صخرةٌ من الجبلِ، فسدَّتْ عليهم الغارَ، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذا الصخرةِ إلا أن تدعوا اللهَ بصالحِ أعمالِكم، قال رجلٌ منهم: اللهمَّ كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أغْبِقُ قبلَهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي في طلبِ شيءٍ يومًا فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غبوقَهُما فوجدتُهما نائمينِ، فكَرِهتُ أن أغْبِقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا، فلبِثْتُ والقدحُ على يدَيَّ أنتظرُ اسْتيقاظَهما حتى برَق الفجرُ، فاستيقظا، فشرِبا غبوقَهُما، اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك، ففرِّجْ عنَّا ما نحن فيه من هذه الصخرةِ؟ فانفرجتْ شيئًا لا يستطيعونَ الخروجَ، وقال الآخرُ: اللهمَّ كانتْ لي ابنةُ عمٍّ، كانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ، فأردتُها على نفسِها، فامْتَنعتْ منِّي، حتى ألَمَّتْ بها سنةٌ من السنينِ فجاءتني، فأعطيتُها عشرينَ ومائةَ دينارٍ؛ على أن تُخَلِّي بيني وبين نفسِها، ففعلتْ حتى إذا قدَرْتُ عليها قالتْ: لا أُحِلُّ لك أن تفضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه، فتحرَّجتُ من الوقوعِ عليها، فانصرفتُ عنها، وهي أحبُّ الناسِ إليَّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهكَ، فأَفْرجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ غيرَ أنَّهم لا يستطعيونَ الخروجَ منها، وقال الثالثُ: اللهم اسْتأجرتُ أجراءَ، فأعطيتُهم أجرَهم، غيرَ رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فَثَمَّرْتُ أجرَه حتى كثُرتْ منه الأموالُ، فجاءني بعد حينٍ فقال: يا عبدَ اللهِ أدِّني أجري، فقلتُ له: كل ما ترى من أجرِك من الإبلِ والبقرِ والغنمِ والرقيقِ، فقال: يا عبدَ اللهِ لا تستهزئُ بي، فقلتُ: إني لا أستهزئُ بك، فأخذَه كلَّه فاستاقَه فلم يتركْ منه شيئًا، اللهمَّ فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك فأفْرِجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرَجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشونَ).[٤]


شرح قصة الثلاثة والغار

يستطيع المسلم أن يستخدم أي صيغة من الصيغ الصحيحة الواردة، وأن يدعو بما شاء من أعماله الصالحة الخالصة لوجه الله، كما توسل الثلاثة في الغار بصالح أعمالهم؛ حيث توسل الأول ببره لوالديه، وتوسل الثاني بعفته وتركه للفاحشة، وتوسل الثالث بصون الحق وأدائه لصاحبه على أكمل وجه، فالأعمال الصالحة كثيرة وأبواب الخير كثيرة.[٥]


ويستطيع المسلم أيضاً أن يدعو بأي صيغةٍ أخرى أراد، بشرط أن تكون الصيغة مقبولةً شرعاً، وليس فيها ابتداعٌ أو سوءُ أدبٍ مع الله تعالى، فليس من اللائق أن يقول المسلم في دعائه -على سبيل المثال-: "اللهم ارزقني بيتاً كما تصدقتُ على الفقير" فهذه الصيغة فيها سوء أدب مع الله، لأن قائلها يَمُنُّ على الله بهذا العمل، ولكن الصحيح واللائق أن يقول: "اللهم إن كنتُ أنفقتُ ابتغاء مرضاتك، فارزقني بيتاً" وهكذا، فالفرق كبيرٌ وواضحٌ بين الصيغتين، فيجب على المسلم أن يختار ألفاظاً يتذلل بها إلى الله ويظهر فيها افتقاره وانكساره وتوسله إليه -تعالى- لأن الله يحب ذلك ويثيب عليه، ويكون العبدُ أجدرَ بتحقيق الإجابة بإذن الله، فلا بد من مراعاة اللفظ المناسب أثناء الدعاء.[٥]


صيغ الدعاء بصالح الأعمال

ورد في السنة الصحيحة عدة صيغ للدعاء بصالح الأعمال -أشهرُها ما جاء في القصة السابقة- وهذه بعضها:[٦]



(اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك، ففرِّجْ عنَّا ما نحن فيه).[رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1504، حديث صحيح.]




(اللهمَّ لكَ أسلمتُ وبكَ آمنتُ وعليكَ توكلتُ وإليكَ أنبتُ وبكَ خاصمتُ، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بعزتكَ، لا إلهَ إلَّا أنتَ؛ أنْ تُضلَّني، أنتَ الحيُّ الذي لا يموتُ، والجنُ والإنسُ يموتونَ).[رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2717، حديث صحيح.]




(اللَّهمَّ لَك رَكعتُ وبِك آمنتُ ولَك أسلمتُ وعليكَ توَكلتُ أنتَ ربِّي خشعَ سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي للَّهِ ربِّ العالمينَ).[رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1050، حديث صحيح.]




(اللَّهمَّ لَك سجدتُ وبِك آمنتُ ولَك أسلمتُ أنتَ ربِّي سجدَ وجهي للَّذي شقَّ سمعَه وبصرَه تبارَك اللَّهُ أحسنُ الخالقينَ).[رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:873، حديث صحيح.]




صيغ أخرى للتوسل المشروع

فيما يأتي نورد بعض صيغ الأدعية الصحيحة من القرآن والسنة، والتي تشتمل على أنواع التوسل المشروع، كالتوسل بأسماء الله وصفاته وأفعاله وبالإيمان وبحال الداعي وبدعاء الأنبياء والصالحين:[٧]



{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.[سورة آل عمران، آية:16]




{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.[سورة آل عمران، آية:53]




{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}.[سورة آل عمران، آية:193]




{رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}.[سورة مريم، آية:4]




(اللهمَّ إنِّي عبدُك، ابنُ عبدِك، ابنُ أمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فِيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك اللهمَّ بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيت به نفسَك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبِي، ونورَ صدرِي، وجلاءَ حُزنِي، وذَهابَ همِّي وغمِّي).[رواه ابن عثيمين، في مجموع فتاوى ابن عثيمين، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:466، حديث إسناده صحيح.]




(اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ باسمِكَ الطَّاهِرِ الطَّيِّبِ المُبارَكِ الأحَبِّ إليكَ الذي إذا دُعيتَ به أجَبتَ، وإذا سُئِلتَ به أعطَيتَ، وإذا استُرحِمتَ به رَحِمتَ، وإذا استُفرِجتَ به فَرَّجتَ).[رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:394، حديث إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.]




(اللَّهمَّ إنِّي أَدْعوكَ اللهَ، وأَدْعوكَ الرَّحمنَ، وأَدْعوكَ البَرَّ الرَّحيمَ، وأَدْعوكَ بأسمائِكَ الحُسْنى كلِّها، ما عَلِمتُ منها وما لم أعلَمْ، أنْ تَغفِرَ لي وتَرحَمَني).[رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:394، حديث إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.]




(اللهُمَّ رَبَّ السَّمواتِ السَّبعِ، وربَّ العرْشِ العَظِيمِ، ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، مُنْزِلَ التوراةَ والإِنجيلَ والقرآنَ، فَالقَ الحَبِّ والنَّوى، أعوذُ بِكَ من شَرِّ كلِّ شيءٍ أنتَ آخِذً بِناصِيَتِه، أنتَ الأوَّلُ؛ فلَيْسَ قَبلكَ شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ؛ فليسَ بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظَّاهِرُ، فلَيسَ فَوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطِنُ؛ فلَيسَ دُونكَ شيءٌ، اقْضِ عنِّي الدَّينَ، وأغْنِني من الفَقرِ).[رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4424، حديث صحيح.]




(اللهمَّ بعلمِك الغيب وبقدرتِك على الخلقِ أحْيني ما كانتِ الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي).[رواه الألباني، في شرح الطحاوية، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:143، حديث صحيح.]



المراجع

  1. سورة المائدة، آية:35
  2. سورة الإسراء، آية:57
  3. رقم السؤال294861 (31/10/2018)، "هل التوسل الى الله بالعمل الصالح لتحقيق أمر دنيوي ينقص أجر هذا العمل؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 23/3/2021. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1504، حديث صحيح.
  5. ^ أ ب رقم الفتوى: 187355 (26/9/2012)، "تراعى آداب اللفظ عند التوسل بالدعاء بالعمل الصالح"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/3/2021. بتصرّف.
  6. إسلام ويب (16/12/2014)، "كيف نتوسل إلى الله تعالى؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/3/2021.