مفهوم خزي الدنيا

إن مما يلفت نظر المتدبر للقرآن الكريم تلك السنة الإلهية التي أجراها الله -تعالى- على أصناف من الناس عصوه من حيث يدرون أو لا يدرون، فاقترفوا ذنوباً عظيمةً، فأنزلت بهم عقوبة عاجلة في الدنيا، ألا وهي الخزي، والخزي هو ما يشعر به المذنب من الذل والهوان والفضيحة، بسبب ما نزل به من العقاب، قال -تعالى-: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ}،[١] فلم يكتف الله -تعالى- بعقابهم في الدنيا بل توعدهم بعقاب أشد في الآخرة جزاء ما فعلوه وأصرّوا عليه من ذنب عظيم، وقد وردت هذه العقوبة في مواضع كثيرة في القرآن، وتعددت أنواع الذنوب التي استحق مقترفوها العقاب، ومنها: الشرك، وتكذيب الرسل، وعدم الإيمان الكامل بما أنزل الله في كتابه، والسعي في خراب المساجد، والجدال في الدين لإضلال الناس، والاستكبار وعدم قبول الحق، والاستهزاء بالصالحين، وغيرها، نعوذ بالله من ذلك كله.[٢]


دعاء اللهم أجرنا من خزي الدنيا

ثبت هذا الدعاء في السنة النبوية الصحيحة باللفظ التالي:



(اللهمَّ أحسنْ عاقبتَنَا في الأمورِ كلِّها، وأجرْنَا منْ خِزْيِ الدنْيَا وعذابِ الآخرةِ).[رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن بسر بن أبي أرطأة، الصفحة أو الرقم:1450 ، حديث صحيح.]




شرح دعاء اللهم أجرنا من خزي الدنيا

"يا رب اجعل خاتمة ونهاية كل عمل من أعمالنا وكل أمر من أمورنا خيراً وفلاحاً وفوزاً ونجاحاً في الدنيا والآخرة، فإن الأعمال بخواتيمها فاجعل خواتيم أعمالنا حسنةً ومرضيةً ومقبولةً عندك، واحمنا من مصائب الدنيا وفواجعها وشرورها، وأبعدنا عن كل هوانٍ وذلٍ وفضيحة، وأسبل علينا سترك في الدنيا، ونجنا من كل أصناف العذاب والعقاب يوم القيامة".[٣]


فضل دعاء اللهم أجرنا من خزي الدنيا

هذا دعاء عظيم يشتمل على مقاصد جليلة وفوائد كثيرة، وفيه موعظة عظيمة وهو من جوامع الكلم، وقد ورد في إحدى رواياته أنَّ مَن كان ذلك دعاءَه مات قَبلَ أن يُصيبَه البلاء، لأن معنى الدعاء هو طلب الحماية والوقاية من الله -تعالى- من كل البلايا والمصائب والشرور في الدنيا، والنجاة من عذاب الآخرة، ولا يكون هذا إلا بالامتثال لأوامر الله -تعالى- واجتناب ما نهى عنه، فلا بد أن يكون المسلم بعيداً عما يغضب الله -تعالى- حتى يجنب نفسه العقاب، ومما يشتمل عليه الدعاء من المعاني المهمة أيضاً، التنبيه على أهمية النظر إلى خواتيم الأعمال والاعتبار بها والإعداد لها، فالعبرة دوماً بالخواتيم والنهايات، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعمالُ بخواتيمِها كالوعاءِ إذا طاب أعلاه طاب أسفَلُه وإذا خبُث أعلاه خبُث أسفلُه)،[٤] وقال أيضاً: (والذِي نفسِي بيدِهِ إنَّ أحدَكم لَيَعْمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتَّى ما يكونُ بينَهُ وبينَها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ النَّارِ فيدخلُها وَإنَّ أحدَكم لَيعملُ بعملِ أهلِ النَّارِ حتَّى ما يكونُ بينَه وبينَها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ فيدخلُهَا)،[٥] وقال أيضاً: (إنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيما يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وإنَّه لَمِنْ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ فِيما يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أهْلِ النَّارِ وهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، وإنَّما الأعْمالُ بخَواتِيمِها).[٦][٧]


وبالتالي فإنَّ الموَفَّق هو من وفقه الله -سبحانه- فينبغي ألا يغتر الإنسان بعمله، وألا يحكم على عمل غيره، فهو لا يرى إلا الظاهر ولا يعلم السرائر، وينبغي على المؤمن أيضاً ألا يأمن على نفسه من الفتنة والتغيير، وأن يستعين بالله دائماً ويسأله الثبات على الإيمان والتوفيق للعمل الصالح، لذلك كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (يامُقَلِّبَ القلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ)،[٨] فهو -صلى الله عليه وسلم- أشرف الخلق وأقربهم إلى ربه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك فقد كان يخاف من سوء الخاتمة ويدعو الله أن يثبته على الدين، ليعلمنا أهمية ذلك وينبهنا إلى هذا الأمر العظيم والمخيف حقاً، ولقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً من ذنوب الخلوات وانتهاك محارم الله في الخفاء، تلك التي تحبط العمل وتجلب الخزي والعار في الدنيا والآخرة وتجلب خاتمة السوء، والعياذ بالله، جاء في الحديث: (لا أُلْفِيَنَّ أقوامًا من أُمَّتي يأتونَ يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تِهامةَ بيضاءَ، فيجعلُها اللهُ هباءً منثورًا، أَمَا إنهم إخوانُكم، ومن جِلْدَتِكم، ويأخذونَ من الليلِ كما تأخذونَ، ولكنهم قومٌ إذا خَلَوْا بمحارمِ اللهِ انتَهكوها)،[٩] فيجب على المسلم أن يحذر كل الحذر مما يحبط أعماله الصالحة ويذهب بأجره ويُغضب الله -تعالى- وأن يسعى في إصلاح ظاهره وباطنه، وأن يأخذ بأسباب حسن الختام.[٧]


أسباب حسن الخاتمة

هناك أسباب ذكرها العلماء تساعد المؤمن على الحصول على حسن الخاتمة عند الموت بإذن الله وتوفيقه، من هذه الأسباب:[١٠]

  • الإيمان الكامل والاستقامة والثبات على الطاعة، قال -تعالى-: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}،[١١] وقال أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.[١٢]
  • الدعاء وحسن الظن بالله -تعالى- وحب لقائه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (قالَ اللَّهُ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي)،[١٣] وقال أيضاً: (مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ).[١٤]
  • المحافظة على الصلوات، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ).[١٥]
  • تقوى الله في السر والعلن، قال -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}.[١٦]

المراجع

  1. سورة فصلت، آية:16
  2. قطف الفوائد (5/11/2016)، "الخزي والهوان"، قطف الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2021. بتصرّف.
  3. الكلم الطيب، "شرح دعاء اللهم أحسن عاقبتنا"، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2021. بتصرّف.
  4. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم:339، حديث إسناده حسن.
  5. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:61، حديث صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:6493، حديث صحيح.
  7. ^ أ ب أمينة زاده (21/10/2013)، "الأعمال بخواتيمها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في تخريج كتاب السنة، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم:230، حديث صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم:7174، حديث صحيح.
  10. الشيخ علي الحذيفي (20/2/2008)، "أسباب حسن الخاتمة وسوئها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2021. بتصرّف.
  11. سورة ابراهيم، آية:27
  12. سورة فصلت، آية:30
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7505 ، حديث صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:6508، حديث صحيح.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:635، حديث صحيح.
  16. سورة الطلاق، آية:3