الفتنة شر عظيم وخطر كبير، قال -تعالى-: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}،[١] وللفتن أنواع كثيرة في هذه الحياة الدنيا، فمنها فتن الشبهات كالكفر والإلحاد والشرك والابتداع، ومنها فتن الشهوات كفتنة المال وفتنة النساء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ)،[٢] ومنها فتن آخر الزمان، كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-: (بين يدَيِ الساعةِ فِتَنٌ كقِطَعِ الليلِ المظلِمِ)،[٣] وقال أيضاً: (ستكونُ فتَنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائمِ، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من السَّاعي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجأً أو مَعاذاً فَلْيَعُذْ بهِ)،[٤] فلا بد للمسلم أن يبتعد عن الفتن ما استطاع ويتخذ أسباب الوقاية منها، لأن الوقوع فيها أمر عصيب وشديد ولا تؤمن عواقبه، قال -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، ولَمَنِ ابتُلِيَ فصبَر)، وقال أيضاً: (تعوَّذوا باللهِ من الفِتَنِ ما ظهر منها وما بطنَ)،[٥] فالدعاء من أهم أسباب الحماية والوقاية من الفتن.[٦]
أدعية الوقاية من الفتن
جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة أدعية متعددة للوقاية من الفتن، منها:
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.[سورة آل عمران، آية:8]
(اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وإذا أردتَ بعبادِكَ فتنةً فاقبِضني إليكَ غيرَ مَفتون).[رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3233، حديث صحيح.]
(اللهمَّ إني أعوذُ بك من الفِتنِ ما ظهر منها وما بطن اللهمَّ إني أعوذُ بك من فِتنةِ الأعْورِ الكذَّابِ).[رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4/276، حديث إسناده صحيح.]
(يا مقلّبَ القلوبِ ثبت قلبي على دينِك).[رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك وشهاب الجرمي وجابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:7987، حديث صحيح.]
(اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ).[رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2720، حديث صحيح.]
(اللهم لا تُقَدِّمْني لعذابٍ، ولا تؤخِّرْني لسيئِ الفتن).[رواه ابن تيمية، في شرح العمدة (المناسك)، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2/457، حديث إسناده صحيح.]
(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن عَذابِ النَّارِ وفِتْنَةِ النَّارِ، وفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذابِ القَبْرِ، وشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ، ومِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ).[رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6375، حديث صحيح.]
(اللهمَّ إنِّي أسألُكَ العَافِيَةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ العَفْوَ والعَافِيَةَ في دِينِي ودُنْيايَ، وأهلِي ومالِي، اللهمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهمَّ احْفَظْنِي من بَيْنِ يَدَيَّ ومن خلفي، وعن يَمِينِي وعن شِمالِي، ومن فَوْقِي، وأعوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ من تَحْتِي).[رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:912، حديث صحيح.]
(اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِن فِتنةِ القبرِ، ومِن فتنةِ الدَّجَّالِ ومن فِتنةِ المحيا والمماتِ ومِن حرِّ جَهَنَّمَ).[رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:58، حديث إسناده صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير المزني هذا وهو ثقة.]
طرق الوقاية من الفتن
يجب على المسلم أن يأخذ بطُرُق الوقاية وسُبُل الحماية من الفتن ما ظهر منها وما بطن، لأن الفتن كثيرة ومتنوعة ولا يسلم منها أحد، فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، وفيها أصناف وأنواع كثيرة من الشرور والمخاطر والمعاصي والآثام، خصوصاً في آخر الزمان، فإذا لم يأخذ المسلم بأسباب النجاة؛ سيتعرض للفتن وربما لا ينجو منها، فلا بد أن يعرف المسلم طرق الوقاية من الفتن لينجو بنفسه، ولا بد أن يعرف أيضاً كيف يتعامل مع الفتن إذا ما وقعت، لأن الله -سبحانه وتعالى- قد يبتلي عباده ليختبر إيمانهم، وليميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق، قال -تعالى-: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}،[٧] وجاء في الحديث: (بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا)،[٨][٩] ومن أهم طرق الوقاية من الفتن ما يأتي:
- الدعاء: فالدعاء التجاء إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب لحمايته وحفظه من كل شر وفتنة، وقد علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستعيذ بالله من الفتن في نهاية كل صلاة، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يستعيذ بالله من فتنة القبر وفتنة النار وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات دبر كل صلاة، وقد سبق بيان ما صح من أدعية الوقاية من الفتن فيما سبق.
- العلم: ويُقصد به العلم الشرعي، لأن الجهل بالدين من أعظم أسباب الفتن، ولأن الجاهل بأمر دينه لا يستطيع أن يفرّق بين الحق والباطل، والحلال والحرام مما يوقعه في الفتنة والإثم من حيث لا يدري، قال -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}،[١٠] فيجب على المسلم أن يتعلم أمور دينه وأحكامه حتى يعبد الله على علم وبصيرة فتكون عبادته صحيحة ومقبولة وحتى يجنب نفسه الوقوع في الخطأ وارتكاب المحظور، فعليه أن يعود فيما أشكل عليه إلى أهل العلم الربانيين ويأخذ بما يقولون فهم أعلم منه وأدرى، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}،[١١] وقال -صلى الله عليه وسلم-:(ألمْ يَكُنْ شِفاءَ العِيِّ السُّؤالُ).[١٢]
- الابتعاد عن مواطن الفتنة: فيجب على المسلم أن يبتعد عن كل أمر قد يؤدي به إلى معصية الله تعالى وارتكاب الحرام وأن يجاهد نفسه في أن يردعها ويكبح جماحها عن التجرؤ على المعاصي، ففتنة النساء مثلاً تحتاج لكي لا يقع الإنسان فيها؛ إلى أن يأتمر بما أمر الله به، من غض البصر وحفظ السمع والجوارح عن كل ما يقرب من الحرام ويدعو إليه، وعدم الاختلاط المحرّم أو الخلوة المحرّمة وهكذا، فمن أطلق لنفسه العنان فقد أودى بها إلى المزالق والمهالك، وقد نهانا الله -تعالى- وحذرنا من الاستجابة لوسوسة الشيطان، وبيّن لنا أسباب ذلك، عندما قال: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}،[١٣] وعندما قال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}،[١٤] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّنٌ وبينهما متشابهاتٌ، فمن تركهن كان أشدَّ استبراءً لعِرضِه ودِينِه، ومن ركِبهن يُوشِكُ أن يركبَ الحرامَ، كالمَرتَعِ إلى جانبِ الحِمَى يوشِكُ أن يرتعَ فيه، وإنَّ لكلِّ ملِكٍ حمًى، وإنَّ حمَى اللهِ محارمُه).[١٥]
- الاعتصام بالكتاب والسنة والرجوع إليهما والتحاكم لهما في كل نازلة وأمر طارئ.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الصبر على الشدائد وعدم التعجل في الحكم على الأمور.
- التزام جماعة المسلمين وعدم التفرد والابتعاد عن الجماعة.
- طاعة الله والإكثار من العبادة والأعمال الصالحة.
- التسليم لله في كل الشؤون والأحوال والرضا بقضاء الله وقدره.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:191
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد ، الصفحة أو الرقم:5096، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك وأبي موسى الأشعري وعائشة، الصفحة أو الرقم:2855، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3601، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم:2262، حديث صحيح.
- ↑ أ.د ابراهيم الحميضي (16/1/2018)، "أسباب النجاة من الفتن"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25/3/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:179
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2195، حديث صحيح.
- ↑ ابراهيم الحقيل (22/3/2018)، "اعتزال الفتن"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 25/3/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:83
- ↑ سورة الأنبياء، آية:7
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4363، حديث صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية:168
- ↑ سورة النور، آية:21
- ↑ رواه أبو نعيم، في حلية الأولياء، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:121، حديث صحيح ثابت من حديث الثوري.