المُلك كلُّه لله
الله -سبحانه وتعالى- هو خالق كل شيء وهو مالك كل شيء، وهو وحده المتصرف في الكون، الفعّال لما يريد، ليس له شريك ولا منازع، لا يتحرك ساكن إلا بأمره وعلمه، قال -تعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}،[١] فالله -سبحانه وتعالى- يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء، فهو المعطي وهو المانع، وهو الضار وهو النافع، وهو المُعز وهو المذل، يجعل من يشاء غنياً، ويجعل من يشاء فقيراً، ويجعل من يشاء عزيزاً، ويجعل من يشاء ذليلاً، فهو القادر على كل شيء، قال -تعالى-: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}،[٢] فلا بد للعبد المؤمن أن يعلم هذا جيداً، وأن يتيقن تمام اليقين، ويتوكل على الله -تعالى- في طلبه للرزق، فيعتمد على الله وحده، ويتوجه إليه -سبحانه- بالدعاء كي يعينه على ذلك ويوفقه إلى طريق الحلال، فالله هو الرزاق، وهو الذي بيده مفاتيح الفرج وخزائن الأرزاق.[٣]
دعاء اللهم مالك الملك الثابت في السنة
(اللهمَّ مالكَ الملكِ تُؤتي الملكَ مَن تشاءُ، وتنزعُ الملكَ ممن تشاءُ، وتُعِزُّ مَن تشاءُ، وتذِلُّ مَن تشاءُ، بيدِك الخيرُ إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ، رحمنُ الدنيا والآخرةِ ورحيمُهما، تعطيهما من تشاءُ، وتمنعُ منهما من تشاءُ، ارحمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ مَن سواك).[رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1821، حديث حسن.]
شرح دعاء اللهم مالك الملك
هذا هو دعاء قضاء الدَّين الذي ورد في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: (أَلا أُعلِّمُك دعاءً تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيْنًا لأدَّاه اللهُ عنك؟)،[٤] فعلَّمه أن يقول هذا الدعاء، وقد ورد هذا الدعاء أيضاً في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَىلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.[٥]
معنى دعاء اللهم مالك الملك
"يا رب يا من بيدك ملكوت السموات والأرض، ولك الأمر والملك كلُّه، أنت الذي تعطي الملك والرزق والتمكين في أرضك لمن تشاء من الناس، وتأخذ الملك ممن تشاء، وتمنح العزة في هذه الدنيا وفي الآخرة لمَن تشاء، وتجعل الذل على من تشاء من خلقك، فبيدك وحدك الخير كله، وأنت وحدك القادر على ذلك، وأنت الذي ترحم الخلق برحمتك الواسعة في الدنيا وفي الآخرة، فتهب العطاء والجود لمن تشاء من خلقك في الدنيا، وتهب الفوز والغفران لمن تشاء من عبادك في الآخرة، فيا رب أسألك أن ترحمني رحمة واسعة منك، أستغني بها عن الخلق ولا أحتاج بعدها أحداً غيرك".[٦]
أدعية أخرى لقضاء الدين
وردت في السنة النبوية الصحيحة أدعية أخرى لقضاء الدين، منها:
- (اللَّهمَّ اكفِني بحلالِكَ عَن حرامِك وأغنِني بفضلِك عمَّن سواكَ).[٧]
- (اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ؛ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ).[٨]
- (اللهم إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِكَ وفي قبضتِك، ناصيتي بيدِك ماضٍ فِيَّ حُكْمُك عَدْلٌ فِيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سَمَّيْتَ به نفسَك أو أَنْزَلْتَه في كتابِك أو عَلَّمْتَه أحدًا من خَلْقِكَ أو أَلْهَمْتَ عبادَك أو استَأْثَرْتَ به في مكنونِ الغيبِ عندَك أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي وجلاءَ هَمِّي وغَمِّي).[٩]
- (اللَّهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ أنتَ الظَّاهرُ فليس فوقَكَ شيءٌ وأنتَ الباطنُ فليس دونَكَ شيءٌ مُنزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والفُرقانِ فالقَ الحَبِّ والنَّوى أعوذُ بكَ مِن شرِّ كلِّ شيءٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِه أنتَ الأوَّلُ فليس قبْلَكَ شيءٌ وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَكَ شيءٌ اقضِ عنَّا الدَّينَ وأَغْنِنا مِن الفقرِ).[١٠]
ضرورة قضاء الدَّين
لقد شدد الإسلام على ضرورة حفظ الحقوق بين الناس، ومن ذلك ما أمر به من كتابة الدَّين، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}،[١١] وما ذلك إلا لحفظ الحقوق وإبعاد التخاصم والنزاع، ولم يشجع الإسلام على الدَّين بل حذر منه، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الدَّين، لما قد يكون فيه من الكذب وإخلاف الوعد، جاء في الحديث: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَدْعُو في الصَّلَاةِ ويقولُ: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ المَأْثَمِ والمَغْرَمِ، فَقالَ له قَائِلٌ: ما أكْثَرَ ما تَسْتَعِيذُ يا رَسولَ اللَّهِ مِنَ المَغْرَمِ؟ قالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، ووَعَدَ فأخْلَفَ)،[١٢] لذلك وضع العلماء شروطاً للدَّين، منها وجود الحاجة الحقيقة للاستدانة، وأن يكون طلب المال لأمر غير محرم، وأن يغلب على ظن المستدين قدرته على الوفاء، وأن تكون لديه النية الصادقة والعزم على وفاء الدَّين، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- خطورة عدم قضاء الدين وحذر من ذلك، فقال: (والَّذي نَفسي بيدِه لَو أنَّ رجلًا قُتِلَ في سبيلِ اللهِ ثمَّ أُحْيِيَ ثمَّ قُتِلَ، ثمَّ أُحْيِيَ ثمَّ قُتِلَ، وعليهِ دَيْنٌ ما دخَلَ الجنَّةَ حتَّى يُقْضَى عنهُ دَيْنُه)،[١٣] فينبغي على المسلم المَدِين أن يسرع في قضاء الدَّين في موعده، إن كان قادرًا على ذلك، ولا يماطل فإنَّ مماطلة الغني ظلم، أما إن كان معسراً ولم يستطع قضاء الدين في وقته فعليه أن يطلب العذر والإمهال من صاحب الدَّين، ويسعى إلى قضاء الدَّين في أسرع وقت، وذلك بالأخذ بأسباب الرزق وبذل الجهد وتقوى الله والاستعانة به -سبحانه- بالدعاء والتضرع والاعتماد والتوكل عليه، وعدم التساهل أو التهاون في هذا الأمر، فإنه فلا يدري متى يباغته الموت.[١٤]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:107
- ↑ سورة فاطر، آية:10
- ↑ أشرف شعبان (8/11/2007)، "اعلم أن الملك كله بيد الله"، مداد، اطّلع عليه بتاريخ 30/3/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1821، حديث حسن.
- ↑ سورة آل عمران، آية:26-27
- ↑ إسلام ويب، "تفسير قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 30/3/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2863، حديث صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2864، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2387، حديث إسناده صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:966 ، حديث إسناده صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية:282
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2397 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن محمد بن عبدالله بن جحش، الصفحة أو الرقم:3600، حديث صحيح.
- ↑ السؤال71183 (7/1/2007)، "خطورة أمر الدَّيْن"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 30/3/2021. بتصرّف.