يخبرنا الله -تعالى- في الآيات الأولى من سورة البقرة عن أول أوصاف المتقين وهو الإيمان بالغيب، والغيب هو كل ما غاب عن الإدراك البشري وما لا يعلمه أحد إلا بإخبار الله، فالله -تعالى- وحده من يعلم الغيب ولا يعلمه أحد غيره، قال -تعالى-: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}،[١] وهو أيضاً عالم الشهادة، أي ما شهده الناس وعرفوه وعملوه سراً وجهراً، فعلمه -سبحانه- كامل مطلق محيط بكل شيء لم يسبقه جهل ولا يتبعه نسيان، قال -تعالى-: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}،[٢] فإذا ما تيقن المؤمن من ذلك، فإنه يكون في حذر من أن يخوض في المحرمات قولاً وفعلاً، وسراً أو جهراً، فلا يتعدى حدود الله، ولا يظلم نفسه بارتكاب الذنوب، ويكون في مراقبة دائمة لربه، وخوفٍ من عصيانه، وهذا ما يجعله -بإذن الله- من المتقين الذين مدحهم الله وأثنى عليهم.[٣]


دعاء اللهم عالم الغيب والشهادة الثابت في السنة

ورد هذا الدعاء في السنة النبوية الصحيحة بصيغتين مختلفتين، وهما:

  • (اللهمَّ عالمَ الغيبِ والشهادةِ، فاطرَ السمواتِ والأرضِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومَلِيكَه، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنت، أعوذُ بك مِن شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطانِ وشِرْكِه).[٤]
  • (اللَّهمَّ ربَّ جَبرائيلَ، وميكائيلَ، وإسرافيلَ، فاطرَ السَّمواتِ والأرضَ، عالِمَ الغيبِ والشَّهادَةَ، أنتَ تحكمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفون، اهدني لما اختُلفَ فيهِ منَ الحقِّ بإذنِك، إنَّكَ تَهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ).[٥]


شرح دعاء اللهم عالم الغيب والشهادة

الصيغة الأولى

وردت الصيغة الأولى في الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- وذكر فيه أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلَّمه شيئاً يقوله إذا أصبح وإذا أمسى، فعلَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول هذا الدعاء في الصباح وفي المساء وعند النوم، وورت زيادة في صيغة الدعاء في آخره في رواية أخرى وهي: (وأن أقترفَ على نفسي سوءًا، أو أَجُرَّه إلى مسلمٍ)،[٦] ويدل هذا الحديث على فضل ومكانة أبي بكر-رضي الله عنه- وحرصه وحرص الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- على معرفة الخير، والسؤال عن كل الشؤون والتفاصيل اليومية في حياة المسلم، وبحثهم لاغتنام الأجر والثواب، كما يدل على أهمية أذكار الصباح والمساء والحرص عليها دائماً، لأن فيها الحفظ والتحصين من الله -تعالى- لعبده من الآفات والشرور، وفيها تعلق القلب بذكر الله والمداومة عليه، لأن ذكر الله -تعالى- من أعظم العبادات وأجلها.[٧]


معنى الدعاء الوارد في الصيغة الأولى

"يا رب يا من تعلم ما غاب عن الخلق علماً مطلقاً كاملاً بما كان وما هو كائن وما سيكون وتعلم ما يشاهدونه ويعلمونه، يا من خلقت السموات والأرض وأبدعتهما على غير مثال سابق، ويا رب كل شيء ومالك كل شيء والمتصرف فيه بمشيئتك، أشهد أنه لا يوجد معبود يستحق العبادة إلا أنت، وألتجئ وأحتمي بك من شر نفسي التي تأمرني بالسوء، ومن شر الشيطان الذي يوسوس لي ويغويني ويدعوني إلى الكفر والشرك".[٧]


الصيغة الثانية

وردت الصيغة الثانية من الدعاء في الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين سألها أحد الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- عما كان يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- في استفتاحه الصلاة في قيام الليل، فأجابته بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام من الليل بدأ صلاته بهذا الدعاء، وهذا يدل على حرص الصحابة على معرفة تفاصيل عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفاصيل حياته الخاصة التي لا يشاهدونها، وذلك ليقتدوا به في كل أحوالهم وليكونوا متبعين لسنته، وفي هذا الدعاء افتقار وانكسار لله -تعالى- وتقرّب وتذلل إليه.[٨]


معنى الدعاء الوارد في الصيغة الثانية

"أدعوك يا ربي ورب الملائكة الكرام، جبرائيل أمين الوحي، وميكائيل أمين المطر والغيث والرزق، وإسرافيل الذي وكلته بالنفخ في الصور، ويا مبدع السموات والأرض وخالقهما بلا مثيل، ويا من تعلم كل شيء من غيب وشهادة علماً كاملاً مطلقاً، إنك يا رب وحدك من سيحكم بين الناس يوم القيامة، في الذي اختلفوا فيه في دنياهم، من أمر الدين عندما أرسلت إليهم الأنبياء، فتفرقوا في ذلك، فاللهم فارزقني الهداية إلى الحق، وثبتني على طريق الإيمان، فإنك تهدي وتوفق من تشاء من عبادك إلى دينك القويم".[٨]


المراجع

  1. سورة النمل، آية:65
  2. سورة التوبة، آية:105
  3. ماجد الصغير (23/6/2011)، "عالم الغيب والشهادة"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2021. بتصرّف.
  4. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:51، حديث إسناده صحيح.
  5. رواه ابن القيم، في أعلام الموقعين، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:216، حديث صحيح .
  6. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:623، حديث إسناده صحيح.
  7. ^ أ ب شروح الأحاديث، "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب شروح الأحاديث، "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2021. بتصرّف.