دعاء (اللهم إنك عفو تحب العفو)

صحّ في الحديث عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي).[١]


ومعلومٌ أنّ لليلة القدر فضلاً عظيماً لا يدانيها فيه ليلة أخرى؛ فقد جعلها الله -سبحانه- محلّاً لتنزّل القرآن الكريم، وأكرم الأمّة بأنْ جعل ثواب العمل الصالح فيها خير من ثواب العمل في ألف شهر سواها، [٢]وصدق الله إذ يقول: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[٣]


شرح دعاء (اللهم إنك عفو تحب العفو)

تُظهِر رواية الحديث حرص السيدة عائشة -رضي الله عنها- على استغلال الأوقات المباركة بالدّعاء ومناجاة الله -عزّ وجلّ-؛ فيرشدها النّبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الدّعاء، وقد تضمّن هذا الدّعاء معانٍ جليلة يحسُن بالمسلم أنْ يقف عندها:[٤]

  • "اللهم إنك عفو"

هذا الاستهلال بالدّعاء فيه استجابة لأمر الله بدعائه بأسمائه الحسنى وصفاته المُثلى؛ حيث يقول -سبحانه-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[٥] كما تضمّن الدّعاء ثناءً على الله بحبّه للعفو والصّفح عن عباده، وهذا من آداب الدّعاء؛ أنْ يثني المرء على مولاه -سبحانه- بما يناسب طلبه ورجاءه.


  • طلب العفو

جاء الدّعاء باسم الله العفوّ مناسباً لما بعده؛ حيث يطلب المسلم من الله -عزّ وجلّ- أنْ يعفو عن تقصيره، ويتجاوز عن سيئاته، ويصْفح عن زلّاته، وهذا اعتراف من العبد بتقصيره في جناب الله -تعالى-.


سبب طلب العفو في ليلة القدر

يسترعي الانتباه حثّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- على طلب العفو والاستكثار منه في ليلة القدر، وقد ذكر ابن رجب الحنبلي لطيفة في المسألة؛ فقال: "وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها، وفي ليالي العشر؛ لأنّ العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً فيرجعون إلى سؤال العفو؛ كحال المذنب المقصر".[٦]


جاء عن بعض أهل العلم: "ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو"،[٦] ولعلّ مقصود هذا الكلام أنّ العبد بطلبه للعفو رغم تقصيره؛ فإنّه بذلك يُحسن الظنّ بالله، وإذا أكرمه الله -سبحانه- بعفوه نجا وفاز، والعفو في لغة العرب يعني: إسقاط الحقّ، وأصله المحو والطّمس؛[٧] فكأنّ الذنب لم يقع من المرء أصلاً، ومقتضى هذا الفهم أنّ العبد الذي شمله عفو الله -عزّ وجلّ- لا يُعاتَب يوم الحساب عمّا عُفِي عنه.


ولمّا كان الأمر كذلك جاء الهدي النّبوي بالحث على الدّعاء ليلة القدر بطلب العفو من العفوّ الكريم -سبحانه- لما في هذه الليلة من بركة يرجى معها إجابة الدّعاء ونيل عفو الله -تعالى-.

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3513 ، حسن صحيح.
  2. فريق الموقع، "فضل ليلة القدر..وقتها وعلاماتها"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 27/5/2023. بتصرّف.
  3. سورة القدر، آية:1-3
  4. فريق الموقع، "شرح حديث: اللهم إنك عفو تحب العفو"، الدرر السنية شروح الأحاديث، اطّلع عليه بتاريخ 25/5/2023. بتصرّف.
  5. سورة الأعراف، آية:180
  6. ^ أ ب ابن رجب الحنبلي، لطائف المعارف، صفحة 206.
  7. ابن منظور (1414)، لسان العرب (الطبعة 3)، بيروت:دار صادر، صفحة 72، جزء 15. بتصرّف.