إنَّ من أحد أبواب الحسنات الباقية للوالدين بعد موتهما هي وجود ولد صالح يدعو لهما بالليل والنهار، وهذا مما يحثُّ الأباء على تربية أبنائهم تربيةً إسلاميةً سمحةً لا إفراط فيها ولا تفريط ليضمن الوالدان مكاناً لهما في جنات النعيم بسبب تربية أولادهم الصالحين على منهج النبوة، وحتى يضمن الابن مكاناً تحت ظل عرش الرحمن -جل جلاله-، كما جاء عن رسولنا الكريم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ)؛[١] لذلك يجب على المسلم أن يربي أبناءه تربيةً صالحةً حتى لا ينقطع عمله الصالح بعد الموت.[٢]


صيغ حديث ولد صالح يدعو له

  • (إذا مات الإنسانُ انقطَع عملُه إلا يدعو إلَّا مِن ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ أو عِلمٍ يُنتفَعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).[٣]
  • (إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ، أو صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ).[٤]
  • (خيرُ ما يخلُفُ الرَّجُلَ بعدَه ثلاثٌ: ولَدٌ صالحٌ يدعو له وصدَقةٌ تجري يبلُغُه أجرُها وعِلْمٌ يُنتَفَعُ به مِن بعدِه).[٥]


معنى حديث: ولد صالح يدعو له

لهذا الحديث عدد من المعاني والحكم التي ذكرها العلماء،[٦] أبرزها ما يأتي:

  • "إذا مات ابن آدم": يحث الحديث الإنسان على المبادرة بالأعمال الصالحة لأنَّه لا يدري متى يفاجئه الموت فليبادر قبل أن ينقطع العمل بالعمل الصالح الذي يزداد به رفعة عند الله سبحانه وتعالى وثوابًا، ومن المعلوم أنَّ كل واحد منا لا يعلم متى يموت ولا يعلم أين يموت كما قال الله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}،[٧] فإذا كان الأمر كذلك فإنَّ العاقل ينتهز فرص العمر في طاعة الله عز وجل قبل أن يأتيه الموت ولم يستعتب ولم يتب.
  • "انقطع عمله إلا من ثلاث": يشمل كل عمل لا يكتب له أجر ولا عليه وزر إذا مات؛ لأنَّه انتقل إلى دار الجزاء وترك دار العمل التي هي دار الدنيا أمَّا بعد ذلك فالدور كلها دور جزاء إلا من ثلاث.
  • "صدقة جارية": يعني أن يتبرع المسلم بصدقة يستمر نفعها مع مرور الأيام، مثل: بناء المساجد صدقة جارية؛ لأنَّ الأجر مستمر مادام المسجد قائمًا ليلاً ونهاراً والمسلمون يمكثون في المساجد في صلاتهم وقرائتهم وتعلمهم العلم وتعليمهم العلم وغير ذلك، ومن الصدقات الجارية أن يوقف الإنسان وقفاً من عقار أو بستان أو نحوه على الفقراء والمساكين أو على طلبة العلم أو على المجاهدين في سبيل الله أو ما أشبه ذلك، أو أن يطبع الإنسان كتباً نافعة للمسلمين يقرؤون فيها وينتفعون بها سواءً كانت من مؤلفين في عصره أو من مؤلفين سابقين المهم أن تكون كتباً نافعة ينتفع بها المسلمون من بعده، أو إصلاح الطرق وتعبيدها للمارة من المشاة والدواب، فإنَّ ذلك من الصدقات الجارية والقاعدة في الصدقة الجارية كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته فهو صدقة جارية.
  • "أوعلم ينتفع به": وهذا أعمّها وأشملها وأنفعها أن يترك الإنسان وراءه علمًا ينتفع المسلمون به سواءً أكان التعليم شفويًا أو بتأليف المجلدات من الكتب العلمية والمتون الفقهية التي تنفع المسلمين، وطالما أن نشر المعلومات مادام مستمرًا فأجر المعلّم صار مستمراً؛ لأنَّ الناس ينتفعون بهذا العلم الذي ورَّثه.
  • "أو ولد صالح يدعو له": يشمل كل فرع ذكر أو أنثى من العائلة وإن نزلوا في الذرية إلى يوم القيامة، وانظر كيف قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ولد صالح يدعو له"، ولم يقل ولد صالح يصلي له أو يقرأ له القرآن أو يتصدق عنه أو يصم عنهلم يقل هذا مع أنَّ هذه كلها أعمال صالحة، لاستحبابه للدعاء صلى الله عليه وسلم.


أدعية للوالدين بعد موتهما

هناك العديد من الأدعية التي يصل ثوابها للوالدين بإذن الله تعالى، منها ما يأتي:



"اللهم ارحمهم فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض عليك، اللهم قهم عذابك يوم تبعث عبادك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، أن تبسط على والداي من بركاتك ورحمتك ورزقك، اللهم ألبسهما العافية حتى يهنئا بالمعيشة، واختم لهما بالمغفرة حتى لا تضرهما الذنوب، اللهم اكفهما كل هول دون الجنة حتى تُبَلِّغْهما إياها برحمتك يا أرحم الراحمين".




"اللهم اغفر لهما، وعافهِما، واعفُ عنهما، وأكرم نزلهُما، ووسع مدخلهُما، واغسلهما بالماء والثلج والبرد، ونقّهِم من الذنوب والخطايا كما ينقّى الثوب الأبيضُ من الدنس".




"اللهم أبدلهم داراً خيراً من دارهم، وأهلاً خيراً من أهلهما، وأدخلهم الجنة، وأعذهم من عذاب القبر ومن عذاب النار، اللهم عاملهُم بما أنت أهله، ولا تعاملهم بما هم أهله، اللهم اجزهم عن الإحسان إحساناً، وعن الإساءةِ عفواً وغفراناً".




"اللهم إن كانا محسنين فزد في حسناتهما، وإن كانا مسيئين فتجاوز عنهما يا رب العالمين، اللهم أدخلهُما الجنة من غير حساب ولا سابقةِ عذاب، اللهم ارحم والديّ، واغفر لهما وارضَ عنهم رضاً تحلّ به عليهم جوامع رضوانك، وتحلّهم به دار كرامتك وأمانك ومواطن عفوك وغفرانك".




المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1423، حديث صحيح.
  2. الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع (11/5/2017)، "شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث) "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/4/2021. بتصرّف.
  3. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3016، حديث إسناده صحيح على شرط مسلم.
  4. رواه ابن عساكر ، في معجم الشيوخ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:432، حديث صحيح.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي قتادة ، الصفحة أو الرقم:93، حديث إسناده صحيح.
  6. محمد بن صالح بن محمد العثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 1587. بتصرّف.
  7. سورة لقمان، آية:34