اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
ثبت في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلّم- أنّه كان يكثر من هذا الدّعاء، فقد صحّ أنّ قَتَادَة سأل أَنَسًا -رضي الله عنه-: أَيُّ دَعْوَةٍ كانَ يَدْعُو بهَا النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- أَكْثَرَ؟ قالَ: (كانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بهَا يقولُ: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)،[١] قالَ الرّاوي: وَكانَ أَنَسٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدَعْوَةٍ دَعَا بهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدُعَاءٍ دَعَا بهَا فِيهِ.[١]
وفي الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: عاد رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- رجُلًا قد صار مِثْلَ الفرخِ فقال: (ما كُنْتَ تدعو بشيءٍ أو تسأَلُ)؟ قال: كُنْتُ أقولُ: اللَّهمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبَني به في الآخِرةَ فعجِّلْه في الدُّنيا فقال: (سُبحانَ اللهِ لا تستطيعُه أو لا تُطيقُه قُلِ: اللَّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنةً، وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ).[٢]
وقد كان النبي الكريم يدعو بهذا الدّعاء الجامع في الطّواف ما بين الرّكن اليماني والحجر الأسود؛ ففي الحديث عن عبد الله بن السائب -رضي الله عنه- قال: (سَمِعْتُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ ما بيْنَ الرُّكْنِ اليَمانيِّ والحَجَرِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[٣]).[٤]
دلالات: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
تكشف الرّوايات السّابقة حرص النبي -صلوات الله وسلامه عليه- على الدّعاء بمجامع الخير في الدّنيا والآخرة، وهذا جزء من هديه الكريم في الدّعاء والمناجاة، وهذا الدّعاء المبارك تضمّن دلالات يحسُن بالمسلم الوقوف في رحابها:[٥]
- الحسنة التي يطلبها العبد في الدنيا يدخل فيها كلّ أمرٍ حسن، كالرّزق الهنيّ الواسع، والزوجة صالحة، والذّرية الطيّبة، وراحة البال، والعلم النّافع، والعمل الصالح، وغير ذلك من مطالب النّفس المباحة والمحبوبة.
- حسنة الآخرة هي السّلامة من العواقب بعد الموت، ويشمل ذلك القبر، والموقف والحساب، والنّار، وحسنة الآخرة -كذلك- فوز العبد برضا الله، ودخول الجنّة والتّنعّم بشهواتها.
- ذكر أهل العلم أنّ هذا الدّعاء أجمع دعاء وأكمله، وأوْلى الأدعية بالإيثار والإكثار؛ اقتداءً بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
لذا؛ يحسن بالعبد أنْ يجمع في دعائه بين خيري الدنيا والآخرة، وأنْ يُغلّب جانب الآخرة؛ حيث جاء في هذا الدعاء سؤال أمرين عظيمين من أمور الآخرة، وهما: (... وَفِي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وعلى المسلم أنْ يكون في دعائه عالي الهمّة؛ فلا ينظر إلى ضعف نفسه وعجزه، بل ينظر إلى عظيم قدرة الله -عزّ وجلّ-.[٦]
وترشدنا الأحاديث السّابقة إلى استحباب الدّعاء بما ورد في القرآن الكريم من أدعية؛ فهي شاملة لكلّ خير، وكافية لكلّ ما يطلبه المرء في صلاح أمور دينه ودنياه، وكلا الأمرين لا غنى لأحد عنهما.
المراجع
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد العزيز بن صهيب، الصفحة أو الرقم:2690 ، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:941 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة البقرة، آية:201
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله بن السائب، الصفحة أو الرقم:3139 ، صحيح الإسناد.
- ↑ السعدي، تفسير السعدي، صفحة 92. بتصرّف.
- ↑ "شرح دعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 16/7/2023. بتصرّف.